الجمعة، 30 يوليو 2021

كتاب الصلاة و حكم تاركها الإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية

  كتاب الصلاة و حكم تاركها  الإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية

و سياق صلاة النبي صلى الله عليه و سلم من حين كان يكبر إلى أن يفرغ منها

الإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية

 بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله رب العالمين
  ما يقول السادة العلماء الذين وفقهم الله وأرشدهم وهداهم وسددهم في تارك الصلاة عامدا هل يجب قتله أم لا . وإذا قتل فهل يقتل كما يقتل المرتد والكافر فلا يغسل ولا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين أم يقتل حدا مع الحكم بإسلامه . وهل تحبط الأعمال وتبطل بترك الصلام أم لا ؟

 وهل تقبل صلاة النهار الليل وصلاة الليل بالنهار أم لا . تصح صلاة من صلى وحده وهو يقدر على الصلاة جماعة أم لا وإذا صحت هل يأثم بترك الجماعة أم لا وهل يشترط حضور المسجد أم يجوز فعلها في البيت ؟

 وما حكم من نقر الصلاة ولم يتم ركوعها وسجودها ؟

 وما كان مقدار صلاة رسول الله وما حقيقة التخفيف الذي نبه عليه بقوله صل بهم صلاة أخفهم وما معنى قوله لمعاذ قوله لمعاذ افتان أنت؟ والمسؤول سياق صلاته من حين كان يكبر إلى ان يفرغ منها سياقا مختصرا كأن السائل يشهده

# فأرشد الله من دل على سواء السبيل وجمع بين بيان الحكم والدليل وما أخذ الله الميثاق على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ الميثاق أهل العلم ان يعلموا ويبينوا . الشيخ الإمام العلامة بقية السلف ناصر السنة وقامع البدعة الشيخ شمس الدين محمد ابن أبي بكر الحنبلي المعروف بابن قيم الجوزية رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنة الخلد متقلبه ومثواه عن الأسئلة بقوله

بسم الله الرحمن الرحيم .

 الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له  واشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وسلم تسليما كثيرا
 حكم تارك الصلاة عمدا
لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمدا من اعظم الذنوب وأكبر الكبائر وأن اثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال ومن إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة  ثم اختلفوا في قتله وفي كيفية قتله وفي كفره  فأفتى سفيان بن سعيد الثوري وأبو عمرو الأوزاعي وعبدالله بن المبارك وحماد بن زيد ووكيع بن الجراح ومالك بن أنس ومحمد بن


إدريس الشافعي واحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه واصحابهم بأنه يقتل .

 ثم اختلفوا في كيفية قتله ,

 فقال جمهورهم يقتل بالسيف ضربا في عنقه , وقال بعض الشافعية يضرب بالخشب إلى ان يصلي او يموت . وقال ابن سريج ينخس بالسيف حتى يموت لأنه ابلغ في زجره وأرجى لرجوعه .

 والجمهور يحتجون بقوله إن الله كتب الإحسان في كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة مسلم رقم 1955 .

 العنق بالسيف أحسن القتلات وأسرعها إزهاقا للنفس وقد سن الله سبحانه في قتل الكفار المرتدين ضرب الأعناق دون النخس بالسيف وإنما شرع في حق الزاني المحصن القتل بالحجارة ليصل الألم إلى جميع بدنه حيث وصلت إليه اللذة بالحرام ولأن تلك القتلة أشنع القتلات والداعي إلى الزنا داع قوي في الطباع فجعلت غلظة هذه العقوبة في مقابلة قوة الداعي ولأن في هذه العقوبة تذكيرا لعقوبة الله لقوم لوط بالرجم بالحجارة على ارتكاب الفاحشة


 فصل في حكم تارك الصلاة
 # وقال ابن شهاب الزهري وسعيد بن المسيب وعمر بن عبدالعزيز وابو حنيفة وداود بن علي والمزاني يحبس حتى يموت او يتوب ولا يقتل . واحتج لهذا المذهب بما رواه أبو هريرة عن النبي قال امرت أن اقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها رواه البخاري رقم 1399 ومسلم رقم 26 .

 وعن ابن مسعود قال قال النبي لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة أخرجاه في الصحيحين البخاري رقم 6878 مسلم رقم 1676 .

 قالوا ولأنها من الشرائع العملية فلا يقتل بتركها كالصيام والزكاة والحج

 قال الموجبون لقتله قال الله تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) 9 سورة التوبة الآية 5 فأمر بقتلهم حتى يتوبوا من شركهم ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة

# ومن قال لا يقتل تارك الصلاة يقول متى تاب من شركه سقط عنه القتل وإن لم يقم الصلاة ولا آتى الزكاة  وهذا خلاف ظاهر القرآن  وفي الصحيحين البخاري رقم 4351 مسلم رقم 1562 من حديث ابي سعيد الخدري قال بعث علي ابن ابي طالب رضي الله عنه وهو باليمن إلى النبي بذهيبة فقسمها بين أربعة فقال رجل يا رسول الله اتق الله فقال ويلك الست احق اهل الارض ان يتقي الله ثم ولى الرجل فقال خالد بن الوليد يا رسول الله ألاأضرب عنقه فقال لا لعله أن يكون يصلي فقال خالد فكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه فقال رسول الله إني لم أؤمر ان انقب عن قلوب الناس ولا اشق بطونهم فجعل النبي المانع من قتله كونه يصلي فدل على ان من لم يصل يقتل ولهذا قال في الحديث الآخر نهيت عن قتل المصلين ابو داود رقم 4928 والطبراني في الكبير مجمع الزوائد 1\ 296 وهو يدل على ان غير المصلين لم ينهه الله عن قتلهم # وروى الإمام أحمد والشافعي في مسنديهما مسند الامام أحمد 5/432 و 433 مسند الإمام الشافعي رقم 8 من حديث عبيدالله بن عدي بن الخيار أن رجلا من الأنصار حدثه أنه اتى النبي وهو في مجلس فساره يستأذنه في قتل رجل من المنافقين فجهر رسول الله فقال أليس يشهد أن لا إله إلا الله فقال الأنصاري بلى يا رسول الله ولا شهادة له قال أليس يشهد أن محمدا رسول الله قال بلى ولا

شهادة له قال اليس يصلي الصلاة قال بلى ولا صلاة له قال أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم فدل على انه لم ينهه عن قتل من لم يصل .

 وفي صحيح مسلم رقم 1854 عن ام سلمة عن النبي قال إنه يستعمل عليكم امراء فتعرفون وتنكرون فمن انكر فقد بريء ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع فقالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم فقال لا ما صلوا.

 وفي الصحيحين البخاري رقم 25 مسلم رقم 22 من حديث عبدالله بن عمر أن النبي قال امرت أن اقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله . فوجه الاستدلال به من وجهين :

 أحدهما أنه امر بقتالهم إلى ان يقيموا الصلاة .

 الثاني قوله إلا بحقها والصلاة من اعظم حقها . وعن ابي هريرة قال قال رسول الله أمرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ثم قد حرمت علي دماؤهم وأموالهم وحسابهم على الله

رواه الامام أحمد المسند 2/345 وابن خزيمة في صحيحه رقم 22448 .

 فأخبر أنه امر بقتالهم إلىأن يقيموا الصلاة وأن دماءهم وأموالهم إنما تحرم بعد الشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فدماؤهم وأموالهم قبل ذلك غير محرمة بل هي مباحة . وعن انس بن مالك قال لما توفي رسول الله ارتد العرب فقال عمر يا أبا بكر كيف تقاتل العرب فقال أبو بكر إنما قال رسول الله أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة رواه النسائي رقم 3969 وهو حديث صحيح .

 وتقييد هذه الأحاديث يبين مقتضى الحديث المطلق الذي احتجوا به على ترك القتل معأنه حجة عليهم فإنه لم يثبت العصمة للدم والمال إلا بحق الإسلام والصلاة آكد حقوقه على الاطلاق .

 وأما حديث ابن مسعود وهو لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث البخاري رقم 6878 مسلم رقم 1676 فهو حجة لنا في المسألة فإنه جعل منهم التارك لدينه والصلاة ركن الدين الأعظم ولا سيما إن قلنا بأنه كافر فقد ترك الدين بالكلية وإن لم يكفر فقد ترك عمود الدين .

 قال الإمام أحمد وقد جاء في الحديث لا حظ في الاسلام لمن ترك الصلاة راجع طبقات الحنابلة 1/352 وقد كان عمر بن الخطاب يكتب إلى الآفاق إن أهم أموركم عندي الصلاة فمن حفظها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع ولاحظ في الاسلام لمن ترك الصلاة

# قال فكل مستخف بالصلاة مستهين بها فهو مستخف بالاسلام مستهين به وإنما حظهم من الاسلام على قدر حظهم من الصلاة ورغبتهم في الاسلام على القادر رغبتهم في الصلاة .

 فاعرف نفسك يا عبدالله واحذر أن تلقي الله ولا قدر للاسلام عندك فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك .

 وقد جاء الحديث عن النبي أنه قال الصلاة عمود الدين المقاصد الحسنة رقم 632  ألست تعلم أن الفسطاط إذا سقط عموده سقط الفسطاط ولم ينتفع بالطنب ولا بالأوتاد وإذا قام عمود الفسطاط انتفعت بالطنب والأوتاد وكذلك الصلاة من الإسلام # وجاء في الحديث إن اول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن تقبلت منه صلاته تقبل منه سائر عمله وإن ردت عليه صلاته رد عليه سائر عمله مجمع الزوائد 1/292-291 .

 فصلاتنا آخر ديننا وهي أول ما نسأل عنه غدا من اعمالنا يوم القيامة فليس بعد ذهاب الصلاة إسلام ولا دين إذا صارت الصلاة آخر ما يذهب من الأسلام هذا كله كلام احمد # والصلاة أول فروض الأسلام وهي آخر ما يفقد من الدين فهي اول الإسلام وآخره فإذا ذهب اوله وآخره فقد ذهب جميعه وكل شيء ذهب أوله وآخره فقد ذهب جميعه .

 قال الإمام أحمد كل شيء يذهب آخره فقد ذهب جميعه فإذا ذهبت صلاة المرء ذهب دينه

# والمقصود أن حديث عبدالله بن مسعود لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه البخاري رقم 6878 مسلم رقم 1676 من اقوى الحجج في قتل تارك الصلاة
 فصل في اختلاف القائلين بقتل تارك الصلاة
 # واختلف القائلون بقتله في مسائل :

 إحداها انه هل يستتاب ام لا .

 فالمشهور أنه يستتاب فإن تاب ترك وإلا قتل هذا قول الشافعي وأحمد وأحد القولين في مذهب مالك .

 وقال ابو بكر الطرطوشي في تعليقه مذهب مالك انه يقال له صل ما دام الوقت باقيا فإن فعل ترك وإن امتنع حتى خرج الوقت قتل وهل يستتاب ام لا قال بعض اصحابنا يستتاب فإن تاب وإلا قتل وقال بعضهم لا يستتاب لأن هذا حد من الحدود يقام عليه فلا تسقطه التوبة كالزاني والسارق وهذا القول يلزم من قال يقتل حدا فإنه إذا كان حده على ترك الصلاة القتل كان كمن حده القتل على الزنا والمحاربة والحدود تجب باسبابها المتقدمة ولا تسقطها التوبة بعد الرفع إلى الامام وأما من قال يقتل لكفره فلا يلزمه هذا لأنه جعله كالمرتد وإذا اسلم سقط عنه القتل # قال الطرطوشي وهكذا حكم الطهارة والغسل من الجنابة والصيام

عندنا فإذا قال لا أتوضأ ولا اغتسل من الجنابة ولا اصوم قتل ولم يستتب سواء قال هي فرض علي أو جحد فرضها .

 قلت هذا الذي حكاه الطرطوشي عن بعض اصحابه أنه يقتل من غير استتابة هو رواية عن مالك وفي استتابه المرتد روايتان عن أحمد وقولان للشافعي ومن فرق بين المرتد وبين تارك الصلاة في الاستتابة فاستتاب المرتد دون تارك الصلاة كإحدى الروايتين عن مالك يقول الظاهر أن المسلم لا يترك دينه إلا لشبهة عرضت له تمنعه البقاء عليه فيستتاب رجاء زوالها والتارك للصلاة مع إقراره بوجوبها عليه لا مانع له فلا يمهل .

 قال المستتيبون له هذا قتل لترك واجب شرعت له الاستتابة فكانت واجبة كقتل الردة .

 قالوا بل الاستتابة هاهنا اولى لان احتمال رجوعه اقرب لأن التزامه للإسلام يحمله على التوبة مما يخلصه من العقوبة في الدنيا والآخرة .

 وهذا القول هو الصحيح لأن اسوأ احواله أن يكون كالمرتد وقد اتفق الصحابة على قبول توبة المرتدين ومانعي الزكاة وقد قال الله تعالى (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) 8 سورة الأنفال الآية 38 وهذا يعم المرتد وغيره .

 والفرق بين قتل هذا حدا وقتل الزاني والمحارب أن قتل تارك الصلاة إنما هو على إصراره على الترك في المستقبل وعلى الترك في الماضي بخلاف المقتول في الحد فإن سبب قتله الجناية المتقدمة على الحد لأنه لم يبق له سبيل إلى تداركها وهذا له سبيل الاستدراك بفعلها بعد خروج وقتها عند الأئمة الأربعة وغيرهم ومن يقول من اصحاب أحمد لا سبيل له

إلى الاستدراك كما هو قول طائفة من السلف يقول القتل ها هنا على ترك فيزول الترك بالفعل فأما الزنا والمحاربة فالقتل فيهما على فعل والفعل الذي مضى لا يزول بالترك
 فصل في أن يكون قتل تارك الصلاة بعد الدعوة والامتناع
  المسألة الثانية أنه لا يقتل حتى يدعى إلى فعلها فيمتنع .

 فالدعاء إليها لا يستمر ولذلك أذن النبي في الصلاة نافلة خلف الامراء الذين يؤخرون الصلاة حتى يخرج الوقت ولم يأمر بقتالهم ولم يأذن في قتلهم لأنهم لم يصروا على الترك فإذا دعي فامتنع لا من عذر حتى يخرج الوقت تحقق تركه وإصراره
 فصل في تعيين مقدار الترك الموجب لقتل تارك الصلاة
 # المسألة الثالثة بماذا يقتل هل بترك صلاة أو صلاتين أو ثلاث صلوات # هذا فيه خلاف بين الناس .

 فقال سفيان الثوري ومالك وأحمد في إحدى الروايات يقتل بترك

صلاة واحدة وهو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وحجة هذا القول ما تقدم من الاحاديث الدالة على قتل تارك الصلاة .

 وقد روى معاذ بن جبل أن رسول الله قال من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله رواه الإمام أحمد في مسنده 5/238 .

 وعن أبي الدرداء قال اوصاني ابو القاسم أن لا أترك الصلاة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة رواه عبدالرحمن ابن ابي حاتم في سننه مجمع الزوائد 4/217-216 ولأنه إذا دعي إلى فعلها في وقتها فقال لا اصلي ولا عذر له فقد ظهر إصراره فتعين إيجاب قتله وإهدار دمه واعتبار التكرار ثلاثا ليس عليه دليل من نص ولا إجماع ولا قول صاحب وليس أولى من اثنتين.

 وقال اسحاق بن منصور المعروف بالكوسج من أصحاب أحمد إن كانت الصلاة المتروكة تجمع إلى ما بعدها كالظهر والعصر والمغرب والعشاء لم يقتل حتى يخرج وقت الثانية لأن وقتها وقت الأولى في حال الجمع فأورث شبهة هاهنا وإن كانت لا تجمع إلى ما بعدها كالفجر والعصر وعشاء الآخرة قتل بتركها وحدها إذ لا شبهة ها هنا في التأخير .

 وهذا القول حكاه إسحاق عن عبدالله بن المبارك او عن وكيع بن الجراح الشك من اسحاق في تعيينه .

 قال ابو البركات عبدالسلام بن عبدالله ابن تيمية والتسوية أصح

وإلحاق التارك ها هنا بأهل الأعذار في الوقت لا يصح كما لم يصح إلحاقه بهم في اصل الترك .

 قلت وقول إسحاق اقوى وافقه لأنه قد ثبت أن هذا الوقت للصلاتين في الجملة فأورث ذلك شبهة في إسقاط القتل ولأن النبي منع من قتل الأمراء المؤخرين الصلاة عن وقتها وإنما كانوا يؤخرون الظهر إلى وقت العصر وقد يؤخرون العصر إلى آخر وقتها ولما قيل له ألا نقاتلهم قال لا ما صلوا مسلم رقم 1854 فدل على أن ما فعلوه صلاة يعصمون بها دماءهم


 فصل في متى يعد الرجل تاركا للصلاة
  وعلى هذا فمتى دعي إلى الصلاة في وقتها فقال لا اصلي وامتنع حتى فاتت وجب قتله وإن لم يتضيق وقت الثانية نص عليه الإمام أحمد .

 وقال القاضي محمد بن الحسين أبو يعلى وأصحابه كأبي الخطاب محفوظ بن محمد الكلواذاني وابن عقيل لا يقتل حتى يتضايق وقت التي بعدها .

 قال الشيخ ابو البركات ابن تيمية من دعي إلى صلاة في وقتها فقال لا اصلي وامتنع حتى فاتت وجب قتله وإن لم يتضيق وقت الثانية نص عليه

# قال وإنما اعتبرنا تضايق وقت الثانية في المثال الذي ذكره يعني أبا الخطاب لأن القتل بتركها دون الأولى لأنه لما دعي إليها كانت فائتة والفوائت لا يقتل تاركها .

 ولفظ أبي الخطاب الذي أشار إليه فإن اخر الصلاة حتى خرج وقتها جاحدا لوجوبها كفر ووجب قتله فإن اخرها تهاونا لا جحودا لوجوبها دعي إلى فعلها فإن لم يفعلها حتى تضايق وقت التي بعدها وجب قتله فالتي أخرها تهاونا هي التي اخرها حتى خرج وقتها فدعي إليها بعد خروج وقتها فإذا امتنع من فعلها حتى تضايق وقت الآخرة التي بعدها كان قتله بتأخير الصلاة التي دعي إليها حتى تضايق وقتها هذا تقرير ما ذكره الشيخ .

 قال وقال بعض أصحابنا يقتل لترك الأولي ولترك قضاء كل فائتة إذا أمكنه من غير عذر لأن القضاء عندنا على الفور فعلى هذا لا يعتبر تضايق وقت الثانية .

 قال والأول أصح لأن قضاء الفوائت موسع علىالتراخي عند الشافعي وجماعة من العلماء والقتل لا يجب في مختلف في إباحته وحظره .

 وعن أحمد رواية أخرى أنه إنما يجب قتله إذا ترك ثلاث صلوات وتضايق وقت الرابعة . وهذا اختيار الإصطخري من الشافعية,  ووجه هذا القول أن الموجب للقتل هو الاصرار على ترك الصلاة والانسان قد يترك الصلاتين لكسل أو ضجر او شغل يزول قريبا ولا

يدوم فلا يسمى بذلك تاركا للصلاة فإذا كرر الترك مع الدعاء إلى الفعل علم أنه إصرار .

 وعن احمد رواية ثالثة أنه يجب قتله بترك صلاتين ولهذه الرواية مأخذان :

 احدهما أن الترك الموجب للقتل هو الترك المتكرر لا مطلق الترك حتى يطلق عليه أنه تارك الصلاة وأقل ما يثبت به الترك المتكرر مرتان .

 المأخذ الثاني أن من الصلاة ما تجمع إحداهن إلى الأخرى فلا يتحقق تركها إلا بخروج وقت الثانية فجعل ترك الصلاتين موجبا للقتل وإسحاق وافق هذه الرواية في المجموعتين
 فصل في حكم ترك بعض شروط الصلاة أو ركن منها
 وحكم ترك الوضوء والغسل من الجنابة واستقبال القبلة وستر العورة حكم تارك الصلاة وكذلك حكم ترك القيام للقادر عليه هو كترك الصلاة وكذلك ترك الركوع والسجود .

 وإن ترك ركنا أو شرطا مختلفا فيه وهو يعتقد وجوبه فقال ابن عقيل حكمه حكم تارك الصلاة ولا بأس أن نقول بوجوب قتله وقال الشيخ أبو البركات ابن تيمية عليه الإعادة ولا يقتل من أجل ذلك بحال

فوجه قول ابن عقيل أنه تارك للصلاة عند نفسه وفي عقيدته فصار كتارك الزكاة والشرط المجمع عليه .

 ووجه قول أبي البركات ابن تيمية أنه لا يباح الدم بترك المختلف في وجوبه . اقرب إلى مأخذ الفقه وقول ابن عقيل اقرب إلى الاصول فإن تارك ذلك عازم وجازم على الاتيان بصلاة باطلة فهو كما لو ترك مجمعا عليه وللمسألة غور بعيد يتعلق بأصول الإيمان وأنه من اعمال القلوب واعتقادها
 فصل في حكم تارك الجمعة
 # روى مسلم في صحيحه رقم 652 من حديث ابن مسعود أن النبي قال لقوم يتخلفون عن الجمعة لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم احرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم .

 وعنأبي هريرة وابن عمر أنهما سمعا رسول الله يقول على اعواد منبره لينتهين اقوام عن ودعهم الجمعات او ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين رواه مسلم في صحيحه رقم 865 .

 وفي السنن كلها ابو داود رقم 1052 الترمذي رقم 500 النسائي رقم 1369 ابن ماجة رقم 1125 من حديث ابي الجعد

الضمري وله صحبة أن النبي قال من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه رواه الامام أحمد من حديث جابر المسند 3/425-424 .

 وأخطأ على الشافعي من نسب إليه القول بأن صلاة الجمعة فرض على الكفاية إذا قام بها قوم سقطت عن الباقين فلم يقل الشافعي هذا قط فإنما غلط عليه من نسب ذلك إليه بسبب قوله في صلاة العيد إنها تجب على من تجب عليه صلاة الجمعة بل هذا نص من الشافعي أن صلاة العيد واجبة على الأعيان وهذا هو الصحيح في الدليل فإن صلاة العيد من اعاظم شعائر الإسلام الظاهرة ولم يكن يتخلف عنها احد من اصحاب رسول الله ولا تركها رسول الله مرة واحدة ولو كانت سنة لتركها ولو مرة واحدة كما ترك قيام رمضان بيانا لعدم وجوبه وترك الوضوء لكل صلاة بيانا لعدم وجوبه وغير ذلك .

وأيضا فإنه سبحانه وتعالى امر بالعيد كما أمر بالجمعة فقال (فصل لربك وانحر ) 108 سورة الكوثر / الآية 2 فأمر النبي الصحابة أن يغدوا إلى مصلاهم لصلاة العيد معه إن فات وقتها وثبت الشهر بعد الزوال أبو داود رقم 1157

وأمر النبي العواتق وذوات الخدور وذوات الحيض ان يخرجن إلى العبد وتعتزل الحيض المصلي البخاري رقم 974 مسلم رقم 890 ولم يأمر بذلك في الجمعة  قال شيخنا ابن تيمية فهذا يدل على ان العيد آكد من الجمعة

وقوله خمس صلوات كتبهن الله علىالعبد في اليوم والليلة الموطأ 1/123 أبو داود رقم 425 النسائي رقم 461 ابن ماجه رقم 1401 لا ينفي صلاة العيد فإن الصلوات الخمس وظيفة اليوم والليلة وأما العيد فوظيفة العام ولذلك لم يمنع ذلك من وجوب ركعتي الطواف عند كثير من الفقهاء لأنها ليست من وظائف اليوم والليلة المتكررة ولم يمنع وجوب صلاة الجنازة ولم يمنع من وجوب سجود التلاوة عند من أوجبه وجعله صلاة ولم يمنع من وجوب صلاة الكسوف عند من اوجبها من السلف وهو قول قوي جدا .

 والمقصود ان الشافعي رحمه الله نص على ان من وجبت عليه الجمعة وجب عليه العيد .

 ولكن قد يقال إن هذا لا يستفاد منه وجوبه على الأعيان فإن فرض الكفاية يجب على الجميع ويسقط بفعل البعض .

 وفائدة ذلك تظهر في مسألتين :

 إحداهما أنه لو اشترك الجميع في فعله أثيبوا ثواب من أدى الواجب لتعلق الوجوب # الثانية لو اشتركوا في تركه استحق الجميع الذم والعقاب # فلا يلزم من قوله تجب صلاة العيد على من تجب عليه صلاة الجمعة أن تكون واجبة علىالأعيان كالجمعة فهذا يمكن أن يقال ولكن ظاهر تشيبه العيد بالجمعة والتسوية بين من تجب عليه الجمعة ومن يجب عليه العيد يدل على استوائهما في الوجوب ولا يختلف قوم أن الجمعة واجبة على الأعيان فكذا العيد

والمقصود بيان حكم تارك الجمعة # قال ابو عبدالله ابن حامد ومن جحد وجوب الجمعة كفر # فإن صلاها اربعا مع اعتقاد وجوبها قال فإن قلنا هي ظهر مقصورة لم يكفر وإلا كفر
 حكم تارك الصوم والحج والزكاة
 # وهل يلحق تارك الصوم والحج والزكاه بتارك الصلاة في وجوب قتله فيه ثلاث روايات عن الإمام أحمد # إحداها يقتل بترك ذلك كله كما يقتل بترك الصلاة # وحجة هذه الرواية أن الزكاة والصيام والحج من مباني الاسلام فيقتل بتركها جميعا كالصلاة ولهذا قاتل الصديق مانعي الزكاة وقال والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة البخاري رقم 1400 مسلم رقم 20 إنها لقرينتها في كتاب الله وأيضا فإن هذه المباني من حقوق الاسلام والنبي لم يأمر برفع القتال إلا عمن التزم كلمة الشهادة وحقها وأخبر أن عصمة الدم لا تثبت إلا بحق الإسلام فهذا قتال للفئة الممتنعة والقتل للواحد المقدوم عيله إنما هو لتركه حقوق الكلمة وشرائع الإسلام وهذا أصح الأقوال # الرواية الثانية لا يقتل بترك غير الصلاة # لأن الصلاة عبادة بدنية لا تدخلها النيابة ولقول عبدالله بن شقيق كان أصحاب محمد لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة الترمذي رقم 2624


ولأن الصلاة قد اختصت من سائر الأعمال بخصائص ليست لغيرها # فهي أول ما فرض الله من الاسلام ولهذا امر النبي نوابه ورسله ان يبدؤوا بالدعوة إليها بعد الشهادتين فقال لمعاذ ستأتي قوما اهل كتاب فليكن اول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله وأن الله فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة البخاري رقم 4347 مسلم رقم 19 # ولأنها أول ما يحاسب عليها العبد من عمله ولأن الله فرضها في السماء ليلة المعراج ولأنها اكثر الفروض ذكرا في القرآن ولأن اهل النار لما يسألون ( ^ ما سلككم في سقر ) 74 سورة المدثر الآية 42 لم يبدؤوا بشيء غير ترك الصلاة ولأن فرضها لا يسقط عن العبد بحال دون حال ما دام عقله معه بخلاف سائر الفروض فإنها تجب في حال دون حال ولأنها عمود فسطاط الإسلام وإذا سقط الفسطاط وقع الفسطاط ولأنها آخر ما يفقد من الدين ولأنها فرض على الحر والعبد والذكر والأنثى والحاضر والمسافر والصحيح والمريض والغني والفقير .

 ولم يكن رسول الله يقبل من إجابة إلى الاسلام إلا بالتزام الصلاة كما قال قتادة عن انس لم يكن رسول الله يقبل من اجابه إلى الاسلام إلا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة # ولأن قبول سائر الاعمال موقوف على فعلها فلا يقبل الله من تاركها صوما ولا حجا ولا صدقة ولا جهادا ولا شيئا من الاعمال كما قال عون بن عبدالله إن العبد إذا دخل قبره سئل عن صلاته اول شيء يسأل عنه فإن جازت له نظر فيما سوى ذلك من عمله وإن لم تجز له لم ينظر في شيء من عمله بعد

# ويدل على هذا الحديث الذي في المسند والسنن من رواية أبي هريرة عن النبي أول ما يحاسب به العبد من عمله يحاسب بصلاته فإن صلحت فقد افلح وأنجح وان فسدت فقط فقد خاب وخسر الترمذي رقم 413 النسائي رقم 465 ولو قبل منه شيء من اعمال البر لم يكن من الخائبين الخاسرين .

 الرواية الثالثة يقتل بترك الزكاة والصيام ولا يقتل بترك الحج لأنه مختلف فيه هل هو على الفور أو على التراخي فمن قال هو على التراخي قال كيف يقتل بأمر موسع له في تأخيره وهذا المأخذ ضعيف جدا لأن من يقتله بتركه لا يقتله بمحرد التأخير وإنما صورة المسألة أن يعزم على ترك الحج ويقول هو واجب علي ولا احج ابدا فهذا موضوع النزاع والصواب القول بقتله لأن الحج من حقوق الاسلام والعصمة تثبت لمن تكلم بالاسلام إلا بحقه والحج أعظم حقوقه
 فصل في تارك الصلاة هل يقتل حدا أم كفرا
 # وأما المسألة الثالثة وهو انه هل يقتل حدا كما يقتل المحارب والزاني أم يقتل كما يقتل المرتد والزنديق هذا فيه قولان للعلماء وهما روايتان عن الامام أحمد # يقتل كما يقتل المرتد وهذا قول سعيد بن جبير وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي وأبي عمرو الأوزاعي وأيوب السختياني وعبدالله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وعبدالملك بن حبيب من


المالكية وأحد الوجهين في مذهب الشافعي وحكاه الطحاوي عن الشافعي نفسه وحكاه ابو محمد ابن حزم عن عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وعبدالرحمن بن عوف وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة .

 والثانية يقتل حدا لا كفرا وهو قول مالك والشافعي واختار أبو عبدالله ابن بطة هذه الرواية .

 ونحن نذكر حجج الفريقين
 أدلة الذين لا يكفرون تارك الصلاة
 # قال الذين لا يكفرونه بتركها قد ثبت له حكم الإسلام بالدخول فيه فلا نخرجه عنه إلا بيقين .

قالوا وقد روى عبادة بن الصامت عن النبي أنه قال من شهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وان محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق ادخله الله الجنة على ما كان من العمل أخرجاه في الصحيحين البخاري رقم 3435 مسلم رقم 28.

 وعن انس أن النبي قال ومعاذ رديفة على الرحل يا معاذ قال لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثا قال ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا حرمه الله على النار قال يارسول الله افلا اخبر بها الناس فيستبشروا قال إذا يتكلوا فأخبر بها معاذ عند موته تأثما متفق على صحته البخاري رقم 128 مسلم 230

# وعن أبي هريرة عن النبي قال اسعد الناس بشفاعتي من قال لاإله إلا الله خالصا من قلبه رواه البخاري رقم 99 .

 وعن أبي ذر ان النبي قام بآية من القرآن يرددها حتى صلاة الغداة وقال دعوت لامتي وأجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم تركوا الصلاة فقال أبو ذر أفلا ابشر الناس قال بلى فانطلق فقال عمر أنك إن تبعث إلى الناس بهذا ينكلوا عن العبادة فناداه أن ارجع فرجع والآية (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) 5 سورة المائدة الآية 118 رواه الإمام أحمد في مسنده 5/170 .

 وفي المسند أيضا 6/240 من حديث عائشة قالت قال رسول الله الدواوين عند الله ثلاثة ديوان لا يعبأ الله به شيئا وديوان لا يترك الله منه شيئا وديوان لا يغفره الله فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك بالله قال الله عز وجل (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ) 5 سورة المائدة الآية 72 وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم تركه أو صلاة تركها فإن الله عز وجل يغفر ذلك ويتجاوز عنه إن شاء وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فظلم العباد بعضهم بعضا القصاص لا محالة .

 وفي المسند ايضا 5/316-315 و 319 عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله يقول خمس صلوات كتبهن الله على العباد من أتى بهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له  المسند ايضا 2/290 من حديث أبي هريرة قال

رسول الله أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة المكتوبة فإن أتمها وإلا قيل انظروا هل له من تطوع فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك رواه أهل السنن أبو داود رقم 864 الترمذي رقم 413 النسائي رقم 467 ابن ماجة رقم 1425 وقال الترمذي هذا حديث حسن  قالوا وقد ثبت عنه أنه قال من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة أبو داود 3116 .

 لفظ آخر من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة مسلم رقم 26 .

 وفي صحيح قصة عتبان بن مالك البخاري رقم 425 مسلم رقم 33 وفيها إن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله .

 وفي حديث الشفاعة البخاري رقم 7510 مسلم رقم 193 يقول الله عز وجل وعزتي وجلالي لأخرجن من النار من قال لا إله إلا الله وفيه مجمع الزوائد 10/375 فيخرج من النار من لم يعمل خيرا قط .

 وفي السنن الترمذي رقم 2641 مستدرك الحاكم 1/529 صحيح ابن حبان رقم 225 ابن ماجة رقم 4300 والمسانيد مسند أحمد 2/213 قصة صاحب البطاقة الذي ينشر له تسعة

وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر ثم تخرج له بطاقة فيها شهادة أن لا إله إلا الله فترجح سيئاته .

 ولم يذكر في البطاقة غير الشهادة ولو كان فيها غيرها لقال ثم تخرج له صحائف حسناته فترجح سيئاته ويكفينا في هذا قوله فيخرج من النار من لم يعمل خيرا قط ولو كان كافرا لكان مخلدا في النار غير خارج منها .

 فهذه الأحاديث وغيرها تمنع من التكفير والتخليد وتوجب من الرجاء له ما يرجى لسائر أهل الكبائر .

 قالوا ولأن الكفر جحود التوحيد وإنكار الرسالة والمعاد وجحد ما جاء به الرسول وهذا يقر بالوحدانية شاهدا أن محمدا رسول الله مؤمنا بأن الله يبعث من في القبور فكيف يحكم بكفره والإيمان هو التصديق وضده التكذيب لا ترك العمل فكيف يحكم للمصدق بحكم المكذب الجاحد
 أدلة الذين يكفرون تارك الصلاة
 # قال المكفرون الذين رويت عنهم هذه الأحاديث التي استدللتم بها على عدم تكفير تارك الصلاة هم الذين حفظ عنهم الصحابة تكفير تارك الصلاة بأعيانهم .

 قال أبو محمد ابن حزم المحلى 1/242 وقد جاء عن عمر وعبدالرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد

قالوا ولا نعلم لهؤلاء مخالفا من الصحابة وقد دل على كفر تارك الصلاة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة
 فصل في الأستدلال بالكتاب
  أما الكتاب فالدليل الأول قال تعالى ( ^ أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم في لما تخيرون أم لكم أيمن علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون سلهم أيهم بذلك زعيم أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ) 68 سورة القلم / الآيات 43-35 فوجه الدلالة من الآية أنه سبحانه أخبر أنه لا يجعل المسلمين كالمجرمين وأن هذا الأمر لا يليق بحكمته ولا بحكمه ثم ذكر أحوال المجرمين الذين هم ضد المسلمين فقال (يوم يكشف عن ساق ) 68 سورة القلم / الآية 42 وأنهم يدعون إلى السجود لربهم تبارك وتعالى فيحال بينهم وبينه فلا يستطيعون السجود مع المسلمين عقوبة لهم على ترك السجود له مع المصلين في دار الدنيا وهذا يدل على أنهم مع الكفار والمنافقين الذين تبقى ظهورهم إذا سجد المسلمون كميا من البقر ولو كانوا من المسلمين لأذن لهم بالسجود كما أذن للمسلمين.

 الدليل الثاني قوله تعالى (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين ) 74 سورة المدثر / الآيات 47-38 فلا يخلو إما أن يكون كل

واحد من هذه الخصال هو الذي سلكهم في سقر وجعلهم من المجرمين او مجموعها فإن كان كل واحد منها مستقلا بذلك فالدلالة ظاهرة وإن كان مجموع الأمور الأربعة فهذا إنما هو لتغليظ كفرهم وعقوبتهم وإلأ فكل واحد منها مقتض للعقوبة إذ لا يجوز أن يضم ما لا تأثير له في العقوبة إلى ما هو مستقل بها .

 ومن المعلوم أن ترك الصلاة وما ذكر معه ليس شرطا في العقوبة على التكذيب بيوم الدين بل هو وحده كاف في العقوبة فدل على أن كل وصف ذكر معه كذلك إذ لا يمكن لقائل ان يقول لا يعذب إلا من جمع هذه الأوصاف الأربعة فإذا كان كل واحد منها موجبا للإجرام وقد جعل الله سبحانه المجرمين ضد المسلمين كان تارك الصلاة من المجرمين السالكين في سقر وقد قال (إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجهم ذوقوا مس سقر ) 54 سورة القمر / الآيتان 48-47 وقال تعالى (إن الذين أجرموا كانوا من الذين ءامنوا يضحكون ) سورة المطففين الآية 29 فجعل المجرمين ضد المؤمنين المسلمين .

 الدليل الثالث قوله تعالى (وأقيموا الصلاة واءتوا الزكواة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ) 24 سورة النور / الآية 56 فوجه الدلالة أنه سبحانه علق حصول الرحمة لهم بفعل هذه الأمور فلو كان ترك الصلاة لا يوجب تكفيرهم وخلودهم في النار لكانوا مرحومين بدون فعل الصلاة والرب تعالى إنما جعلهم على رجاء الرحمة إذا فعلوها # الدليل الرابع قوله تعالى ( ^ فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) 107 سورة الماعون / الآيتان 4 و 5 وقد اختلف السلف في

معنى السهو عنها فقال سعد ابن ابي وقاص ومسروق بن الاجدع وغيرهما هو تركها حتى يخرج وقتها # وروى في ذلك حديث مرفوع قال محمد بن نصر المروزي تعظيم قدر الصلاة رقم 42 حدثنا شيبان ابن ابي شيبة حدثنا عكرمة بن إبراهيم حدثنا عبدالملك بن عمير عن مصعب بن سعد عن أبيه أنه سأل النبي عن ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) 107 سورة الماعون / الآية 5 قال هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها سنن البيهقي 2/214 .

 وقال حماد بن زيد حدثنا عاصم عن مصعب بن سعد قال قلت لأبي يا ابتا أرأيت قول الله ( ^ الذين هم عن صلاتهم ساهون ) 107 سورة الماعون / الآية 5 أينا لا يسهو أينا لا يحدث نفسه قال إنه ليس ذاك ولكنه إضاعة الوقت سنن البيهقي 2/214 .

 وقال حيوة بن شريح أخبرني ابو صخر أنه سأل محمد بن كعب القرظي عن قوله ( ^ الذين هم عن صلاتهم ساهون ) 107 سورة الماعون / الآية 5 قال هو تاركها ثم سأله عن ( ^ الماعون ) 107 سورة الماعون / الآية 7 قال منع المال عن حقه تعظيم قدر الصلاة رقم 45 .

 إذا عرف هذا فالوعيد بالويل اطرد في القرآن للكفار كقوله ( ^ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستنفدوه إليه واستغفروا وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون ) 41سورة

فصلت / الآيتان 6 و 7 وقوله ( ^ ويل لكل أفاك أثيم يسمع الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم وإذا علم من ءاياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين ) 45 سورة الجاثية / الآيات 9-7 وقوله ( ^ وويل للكافرين من عذاب شديد ) 14 سورة إبراهيم / الآية 2 إلا في موضعين وهما ( ^ ويل للمطففين ) 83 سورة المطففين / الآية 1 و ( ^ ويل لكل همزة لمزة ) 104 سورة الهمزة / الآية 1 فعلق الويل بالتطفيف وبالهمز واللمز وهذا لا يكفر به بمجرده فويل تارك الصلاة إما ان يكون ملحقا بويل الكفار أو بويل الفساق فإلحاقه بويل الكفار أولى لوجهين .

 أحدهما أنه قد صح عن سعد ابن أبي وقاص في هذه الآية أنه قال لو تركوها لكانوا كفارا ولكن ضيعوا وقتها .

 الثاني ما سنذكر من الأدلة على كفره يوضحه .

 الدليل الخامس وهو قوله سبحانه ( ^ فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلواة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) 19 سورة مريم / الآية 59.

 قال شعبة بن الحجاج حدثنا أبو إسحاق عن أبي عبيدة عن عبدالله هو ابن مسعود في هذه الآية قال هو نهر في جهنم خبيث الطعم بعيد القعر مستدرك الحاكم 2/374.

 قال محمد بن نصر تعظيم قدر الصلاة رقم 26 حدثنا عبدالله بن سعد بن إبراهيم حدثنا محمد بن زياد بن زبار حدثني شرقي بن القطامي قال حدثني لقمان بن عامر الخزاعي قال جئت أبا

أمامه الباهلي فقلت حدثني حديثا سمعته من رسول الله فقال سمعت من رسول الله يقول لو أن صخرة قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفا ثم تنتهي إلى غي وأثام قلت وما غي وأثام قال بئران في اسفل جهنم يسيل فيهما صديد أهل جهنم فهذا الذي ذكره الله في كتابه ( فسوف يلقون غيا ) 19 سورة مريم / الآية 59 و ( ^ أثاما 25 سورة الفرقان /الآية 68 .

 قال محمد بن نصر تعظيم قدر الصلاة رقم 37 حدثنا الحسن بن عيسى حدثنا عبدالله بن المبارك أخبرنا هشيم بن بشير قال أخبرني زكريا ابن ابي مريم الخزاعي قال سمعت ابا امامة الباهلي يقول إن ما بين شفير جهنم إلى قعرها مسيرة خمسين خريفا من حجر يهوي أو قال صخرة تهوي عظمها كعشر عشراوات عظام سمان فقال له مولى لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد هل تحت ذلك من شيء يا أبا أمامة قال نعم غي وأثام .

 وقال أيوب بن بشير عن شفي بن ماتع قال إن في جهنم واديا يسمى غيا يسيل دما وقيحا فهو لمن خلق له قال تعالى ( ^ فسوف يلقون غيا ) 19 سورة مريم / الآية 59 الدر المنثور 5/528.

 فوجه الدلالة من الآية أن الله سبحانه جعل هذا المكان من النار لمن أضاع الصلاة واتبع الشهوات ولو كان مع عصاة المسلمين لكانوا في الطبقة العليا من طبقات النار ولم يكونوا في هذا المكان الذي هو اسفلها فإن هذا ليس من أمكنة أهل الإسلام بل من أمكنه الكفار .

 ومن الآية دليل آخر وهو قوله تعالى ( ^ فسوف يلقون غيا إلا من تاب واءمن وعمل صالحا ) 19 سورة مريم / الآيتان 59 و 60

# فلو كان مضيع الصلاة مؤمنا لم يشترط في توبته الإيمان وأنه يكون تحصيلا للحاصل .

 الدليل السادس قوله تعالى ( ^ فإن تابوا وأقاموا الصلواة واءتوا الزكواة فإخوانكم في الدين 9 سورة التوبة / الآية 11 فعلق اخوتهم للمؤمنين بفعل الصلاة فإذا لم يفعلوا لم يكونوا إخوة المؤمنين فلا يكونوا مؤمنين لقوله تعالى ( ^ إنما المؤمنون إخوة ) 49 سورة الحجرات / الآية 10 .

 الدليل السابع قوله تعالى ( ^ فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى 75 سورة القيامة / الآيتان 31 و 32 فلما كان الإسلام تصديق الخبر والانقياد للأمر جعل سبحانه له ضدين عدم التصديق وعدم الصلاة وقابل التصديق بالتكذيب والصلاة بالتولي فقال ( ^ ولكن كذب وتولى ) 75 سورة القيامة / الآية 32 فكما أن المكذب كافر فالمتولي عن الصلاة كافر فكما يزول الإسلام بالتكذيب يزول بالتولي عن الصلاة .

 قال سعيد عن قتادة ( ^ فلا صدق ولا صلى ) 75 سورة القيامة / الآية 31 لا صدق بكتاب الله ولا صلى لله ولكن كذب بآيات الله وتولى عن طاعته ( ^ أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى ) 75 سورة القيامة / الآيتان 34 و 35 وعيد على إثر وعيد .

الدليل الثامن قوله تعالى ( ^ يا أيها الذين اءمنوا لا تلهكم أموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ) 63 سورة المنافقون / الآية 9 # قال ابن جريج سمعت عطاء ابن ابي رباح يقول هي الصلاة المكتوبة الدر المنثور 8/180

ووجه الاستدلال بالآية إن الله حكم بالخسران المطلق لمن الهاه ماله وولده عن الصلاة والخسران المطلق لا يحصل إلا للكفار فإن المسلم ولو خسر بذنوبه ومعاصيه فآخر أمره إلى الربح يوضحه أنه سبحانه وتعالى اكد خسران تارك الصلاة في هذه الآية بأنواع من التأكيد .

 أحدهما إتيانه بلفظ الاسم الدال على ثبوت الخسران ولزومه دون الفعل الدال على التجدد والحدوث .

 الثاني تصدير الاسم بالألف واللام المؤدية لحصول كمال المسمى لهم فإنك إذا قلت زيد العالم الصالح أفاد ذلك إثبات كمال ذلك له بخلاف قولك عالم صالح .

 الثالث إتيانه سبحانه بالمبتدأ والخبر معرفتين وذلك من علامات انحصار الخبر في المبتدأ كما في قوله تعالى ( ^ وأولئلك هم المفلحون ) 2 سورة البقرة / الآية 5 وقوله تعالى ( ^ هم الظلمون ) ( ^ أولئك هم المؤمنون حقا ) 8 سورة الأنفال / الآية 4 ونظائره .

 الرابع إدخال ضمير الفصل بين المبتدأ والخبر وهو يفيد مع الفصل فائدتين اخريين قوة الاسناد واختصاص المسند إليه بالمسند كقوله ( وإن الله لهو الغني الحميد ) 22 سورة الحج / الآية 64 وقوله ( والله هو السميع العليم ) 5 سورة المائدة / الآية 76 وقوله ( ^ هو الغفور الرحيم ) 28 سورة القصص / الآية 16 ونظائر ذلك .

 التاسع قوله سبحانه ( ^ إنما يؤمن بئايتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون ) 32 سورة السجدة / الآية 15 ووجه الاستدلال بالآية أنه سبحانه نفى الإيمان عمن إذا

ذكروا بآيات الله لم يخروا سجدا مسبحين بحمد ربهم ومن أعظم التذكير بآيات الله التذكير بآيات الصلاة فمن ذكر بها ولم يتذكر ولم يصل ولم يؤمن بها لأنه سبحانه خص المؤمنين بها بأنهم اهل السجود وهذا من أحسن الاستدلال واقربه فلم يؤمن بقوله تعالى ( ^ وأقيمو الصلواة ) 2 سورة البقرة / الآية 43 إلا من التزم إقامتها .

 العاشر قوله تعالى ( ^ وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ويل يومئذ للمكذبين ) 77 سورة المرسلات / الآيتان 48 و 49 ذكر هذا بعد قوله ( ^ كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ) 77 سورة المرسلات / الآية 46 ثم توعدهم على ترك الركوع وهو الصلاة إذا دعوا إليها ولا يقال إنما توعدهم على التكذيب فإنه سبحانه وتعالى إنما أخبر عن تركهم لها وعليه وقع الوعيد .

 على أنا نقول لا يصر على ترك الصلاة إصرارا مستمرا من يصدق بأن الله أمر بها اصلا فإنه يستحيل في العادة والطبيعة أن يكون الرجل مصدقا تصديقا جازما أن الله فرض عليه كل يوم وليلية خمس صلوات وأنه يعاقبه على تركها أشد العقاب وهو مع ذلك مصر على تركها هذا من المستحيل قطعا فلا يحافظ على تركها مصدق بفرضها أبدا فإن الايمان يأمر صاحبه بها فحيث لم يكن في قلبه مايأمر بها فليس في قلبه شيء من الإيمان .

 ولا تصغ إلى كلام من ليس له خبره ولا علم بأحكام القلوب وأعمالها وتأمل في الطبيعة بأن يقوم بقلب العبد إيمان بالوعد والوعيد والجنة والنار وأن الله فرض عليه الصلاة وأن الله يعاقبه معاقبة على تركها وهو محافظ على الترك في صحته وعافيته وعدم الموانع المانعة له

من الفعل وهذا القدر هو الذي خفي على من جعل الإيمان مجرد التصديق وإن لم يقارنه فعل واجب ولا ترك محرم وهذا من امحل المحال ان يقوم بقلب العبد إيمان جازم لا يتقاضاه فعل طاعة ولا ترك معصية .

 ونحن نقول الإيمان هو التصديق ولكن ليس التصديق مجردا اعتقادا صدق المخبر دون الانقياد له ولو كان مجرد اعتقاد التصديق إيمانا لكان إبليس وفرعون وقومه وقوم صالح واليهود الذين عرفوا أن محمدا رسول الله كما يعرفون أبناءهم مؤمنين مصدقين وقد قال تعالى ( فإنهم لا يكذبونك ) 6 سورة الأنعام / الآية 33 اي يعتقدون أنك صادق ( ولكن الظالمين بئايات الله يجحدون ) 6 سورة الأنعام / الآية33 والجحود لا يكون إلا بعد معرفة الحق قال تعالى ( ^ وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا ) 27 سورة النمل / الآية 14 وقال موسى لفرعون ( ^ لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر ) 17 سورة الإسراء / الآية 102 وقال تعالى عن اليهود ( ^ يعرفونه كما يعرفون ابناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ) 2 سورة البقرة / الآية 146 وأبلغ من هذا قول النفرين اليهوديين لما جاءا إلى النبي وسألاه عما دلهما على نبوته فقالا نشهد أنك نبي فقال ما يمنعكما من اتباعي قالا إن داود دعا أن لا يزال في ذريته نبي وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود النسائي رقم 4078 الترمذي رقم 2734 و 3143 .

 فهؤلاء قد اقروا بألسنتهم إقرارا مطابقا لمعتقدهم أنه نبي ولم يدخلوا بهذا التصديق والإقرار في الإيمان لأنهم لم يلتزموا طاعته والانقياد لأمره ومن هذا كفر أبي طالب فإنه عرف حقيقة المعرفة أنه صادق وأقر بذلك بلسانه وصرح به في شعره ولم يدخل بذلك في الإسلام

فالتصديق إنما يتم بأمرين .

. أحدهما اعتقاد الصدق.

 والثاني محبة القلب وانقياده .

 ولهذا قال تعالى لإبراهيم ( ^ ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا ) 37 سورة الصافات /الآيتان 104 و105 وإبراهيم كان معتقدا لصدق رؤياه من حين رآها فإن رؤيا الأنبياء وحي وإنما جعله مصدقا لها بعد أن فعل ما أمر به .

 وكذلك قوله والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه البخاري رقم 6243 مسلم رقم 2657 فجعل التصديق عمل الفرج لا ما يتمنى القلب والتكذيب تركه لذلك وهذا صريح في ان التصديق لا يصح إلا بالعمل .

 وقال الحسن ابن ابي شيبة 11 / 22 ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل وقد روي هذا مرفوعا الكامل لابن عدي 6/2290 # والمقصود أنه يمتنع مع التصديق الجازم بوجوب الصلاة والوعد على فعلها والوعيد على تركها وبالله التوفيق
 فصل في الاستدلال بالسنة
 # وأما الاستدلال بالسنة على ذلك فمن وجوه.

 الدليل الأول ما رواه مسلم في صحيحه رقم 82 عن جابر بن

عبدالله قال قال رسول الله بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة .

 رواه أهل السنن أبو داود رقم 4687 والترمذي رقم 2622 وصححه الترمذي .

 الدليل الثاني ما رواه بريدة بن الحصيب الأسلمي قال سمعت رسول الله يقول العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر رواه الامام احمد المسند 5/346 واهل السنن النسائي رقم 2463 الترمذي رقم 2623 ابن ماجة رقم 1079 وقال الترمذي حديث صحيح إسناده على شرط مسلم .

الدليل الثالث ما رواه ثوبان مولى رسول الله قال سمعت رسول الله يقول بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة فإذا تركها فقد أشرك رواه هبةالله الطبري وقال إسناده صحيح على شرط مسلم الترغيب والترهيب 1/379 .

 الدليل الرابع ما رواه عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي أنه ذكر الصلاة يوما فقال من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وابي بن خلف رواه الامام احمد في مسنده 2/ 169 وابو حاتم ابن حبان في صحيحه رقم 1467 .

 وإنما خص هؤلاء الاربعة بالذكر لأنهم من رؤس الكفرة .

 وفيه نكتة بديعة وهو أن تارك المحافظة على الصلاة إما أن يشغله ماله أو ملكه أو رياسته او تجارته فمن شغله عنها ماله فهو مع قارون

ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون ومن شغله عنها رياسة ووزارة فهو مع هامان ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبي بن خلف.

 الدليل الخامس ما رواه عبادة بن الصامت قال اوصانا رسول الله فقال لا تشركوا بالله شيئا وإن قطعتم او حرقتم او صلبتم ولا تتركوا الصلاة عمدا فمن تركها عمدا متعمدا فقد خرج من الملة ولا تقربوا الخمر فإنها رأس الخطايا رواه عبدالرحمن ابن أبي حاتم في سننه مجمع الزوائد 4/ 216 تعظيم قدر الصلاة رقم 920 .

الدليل السادس ما رواه معاذ بن جبل قال قال رسول الله من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله رواه الإمام أحمد المسند 5/238 ولو كان باقيا على إسلامه لكانت له ذمة الإسلام .

 الدليل السابع ما رواه أبو الدرداء قال اوصاني ابو القاسم أن لا أترك الصلاة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة رواه عبدالرحمن ابن أبي حاتم في سننه مجمع الزوائد 4/217-216 .

 الدليل الثامن ما رواه معاذ بن جبل عن النبي أنه قال رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة تعظيم قدر الصلاة رقم 195 وهو حديث صحيح مختصر .

 الاستدلال به أنه أخبر أن الصلاة من الأسلام بمنزلة العمود الذي تقوم عليه الخيمة فكما تسقط الخيمة بسقوط عمودها فهكذا يذهب الاسلام بذهاب الصلاة وقد احتج أحمد بهذا بعينه .

 الدليل التاسع في الصحيحين البخاري رقم 8 مسلم رقم 16 والسنن الترمذي رقم 2736 النسائي رقم 5001 والمسانيد

من حديث عبدالله بن عمر قال قال رسول الله بني الاسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان رواه الإمام أحمد المسند 2/26 و 143 وفي بعض الفاظه الاسلام خمس فذكره.

 ووجه الاستدلا به من وجوه .

 أنه جعل الاسلام كالقبة المبنية على خمسة أركان فإذا وقع ركنها الاعظم وقعت قبة الإسلام .

 أنه جعل هذه الاركان في كونها أركانا لقبة الأسلام قرينة الشهادتين فهما ركن والصلاة ركن والزكاة ركن فما بال قبة الإسلام تبقى بعد سقوط أحد أركانها دون بقية أركانها .

 الثالث أنه جعل هذه الأركان نفس الإسلام وداخلة في مسمى اسمه وما كان اسما لمجموع أمور إذا ذهب بعضها ذهب ذلك المسمى ولا سيما إذا كان من اركانه لا من اجزائه التي ليست بركن له كالحائظ للبيت فإنه إذا سقط البيت بخلاف العود والخشبة واللبنة ونحوها .

 الدليل العاشر قول رسول الله من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ما لنا وعليه ما علينا البخاري رقم 391 .

 ووجه الدلالة فيه من وجهين .

 أنه إنما جعله مسلما بهذه الثلاثة فلا يكون مسلما بدونها الثاني أنه صلى إلى الشرق لم يكن مسلما حتى يصلي إلى قبلة المسلمين فكيف إذا ترك الصلاة بالكلية

الدليل الحادي عشر وما رواه الدارقي عبد الله عبدالله بن عبدالرحمن تعظيم قدرالصلاة رقم 175 قال حدثنا يحيى بن حسان حدثنا سليمان بن قرم عن ابي يحيى القتات عن مجاهد عن جابر بن عبدالله عن النبي قال مفتاح الجنة الصلاة الترمذي رقم 4 مسند أحمد 3/340 .

 وهذا يدل على أن من لم يكن من أهل الصلاة لم تفتح له الجنة وهي تفتح لكل مسلم فليس تاركها مسلم ولا تناقض بين هذا وبين الحديث الآخر وهو قوله مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله مسند أحمد 5/242 فإن الشهادة أصل المفتاح والصلاة وبقية الأركان أسنانه التي لا يحصل الفتح إلا بها إذ دخول الجنة موقوف على المفتاح وأسنانه .

البخاري تعليقا فتح الباري 3/131 وقيل لوهب بن منبه أليس مفتاح الجنة لاإله إلا الله قال بلى ولكن ليس مفتاح إلا وله أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك .

 الدليل الثاني عشر ما رواه محجن بن الادرع الاسلمي أنه كان في مجلس مع النبي فأذن بالصلاة فقام النبي ثم رجع ومحجن في مجلسه فقال له ما منعك أن تصلي الست برجل مسلم قال بلى ولكني صليت في أهلي فقال له إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت رواه الامام احمد المسند 4/34 والنسائي رقم 857 .

 فجعل الفارق بين المسلم والكافر الصلاة وأنت تجد تحت الفاظ

الحديث إنك لو كنت مسلما لصليت وهذا كما تقول مالك كل لا تتكلم ألست بناطق وما لك لا تتحرك ألست بحي ولو كان الاسلام يثبت مع عدم الصلاة لما قال لمن رآه لا يصلي الست برجل مسلم
 فصل في الاستدلال بإجماع الصحابة
  إجماع الصحابة فقال ابن زنجويه حدثنا عمر بن الربيع حدثنا يحيى بن أيوب عن يونس عن ابن شهاب قال حدثني عبيدالله بن عبدالله بن عتبة ان عبدالله بن عباس اخبره انه جاء عمر بن الخطاب حين طعن في المسجد قال فاحتملته انا ورهط كانوا معي في المسجد حتى ادخلناه بيته قال فأمر عبدالرحمن بن عوف ان يصلي بالناس قال فلما دخلنا على عمر بيته غشي عليه من الموت فلم يزل في غشيته حتى اسفر ثم افاق فقال هل صلى الناس قال فقلنا نعم فقال لا إسلام لمن ترك الصلاة وفي سياق آخر لا حظ في الاسلام لمن ترك الصلاة ثم دعا بوضوء فتوضأ وصلى وذكر القصة تعظيم قدر الصلاة رقم 923 .

 فقال هذا بمحضر من الصحابة ولم ينكروه عليه وقد تقدم مثل ذلك عن معاذ بن جبل وعبدالرحمن بن عوف وابي هريرة ولا يعلم عن صحابي خلافهم .

 وقال الحافظ عبدالحق الاشبيلي رحمه الله في كتابه في الصلاة ذهب جملة من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم إلى تكفير تارك الصلاة متعمدا لتركها حتى يخرج جميع وقتها منهم عمر بن الخطاب ومعاذ بن

جبل وعبدالله بن مسعود وابن عباس وجابر وابو الدرداء وكذلك روي عن علي ابن ابي طالب كرم الله وجهه هؤلاء من الصحابة ومن غيرهم أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وعبدالله بن المبارك وإبراهيم النخعي والحكم بن عيينة وأيوب السختياني وأبو داود الطيالسي وابو بكر ابن أبي شيبة وابو خيثمة زهير بن حرب .

 المانعون من التكفير يجب حمل هذه الاحاديث وما شاكلها على كفر النعمة دون كفر الجحود كقوله من تعلم الرمي ثم تركها فهي نعمة كفرها أبو داود رقم 2513 النسائي رقم 3578 .

 وقوله لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم البخاري رقم 6830 مسلم رقم 62 # تبرؤه من نسب وإن دق كفر بعد إيمان مسند أحمد 2/215 .

 سباب المسلم فسوق وقتاله كفر البخاري رقم 48 مسلم رقم 64.

 من أتى امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد مسند أحمد 2/408 الترمذي رقم 135 أبو داود رقم 3904 ابن ماجه رقم 639 .

 من حلف بغير الله فقد كفر رواه الحاكم في صحيحه 1/18 بهذا اللفظ # وقوله اثنتان في امتي هما بهم كفر الطعن في الانساب والنياحة على الميت مسلم رقم 67

ونظائر ذلك كثيرة .

 قالوا وقد نفى النبي الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر والمنتسب ولم يوجب زوال هذا عنهم الاسم عنهم كفر الجحود والخلود في النار فكذلك كفر تارك الصلاة ليس بكفر جحود ولا يوجب التخليد في الجحيم وقد قال النبي لا إيمان لمن لا أمانة له مسند أحمد 3/135 فنفى عنه الإيمان ولا يوجب ترك أداء الأمانة أن يكون كافرا كفرا ينقل عن الملة .

 وقد قال ابن عباس في قوله تعالى ( ^ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) 5 سورة المائدة / الآية 44 ليس بالكفر الذي يذهبون إليه .

 قال طاووس سئل ابن عباس عن هذه الآية فقال هو به كفر وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله .

 قال أيضا كفر لا ينقل عن الملة .

 وقال سفيان عن ابن جريح عن عطاء كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق
 فصل في الحكم بين الفريقين وفصل الخطاب بين الطائفين
 # معرفة الصواب في هذه المسألة مبني على معرفة حقيقة الإيمان والكفر ثم يصح النفي والإثبات بعد ذلك فالكفر والإيمان متقابلان إذا زال أحدهما خلفه الآخر


# كان الإيمان أصلا له شعب متعددة وكل شعبة منها تسمى إيمانا فالصلاة من الإيمان وكذلك الزكاة والحج والصيام والأعمال الباطنة كالحياء والتوكل والخشية من الله والإنابة إليه حتى تنتهي هذه الشعب إلى إماطة الأذى عن الطريق فإنه شعبة من شعب الإيمان .

 وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها كشعبة الشهادة ومنها ما لا يزول بزوالها كترك إماطة الأذى عن الطريق وبينهما شعب متفاوتة تفاوتا عظيما منها ما يلحق بشعبة الشهادة ويكون إليها أقرب ومنها ما يلحق بشعبة إماطة الأذى ويكون إليها أقرب .

 وكذلك الكفر ذو أصل وشعب فكما أن شعب الإيمان إيمان فشعب الكفر كفر والحياء شعبة من الإيمان وقلة الحياء شعبة من شعب الكفر والصدق شعبة من شعب الإيمان والكذب شعبة من شعب الكفر والصلاة والزكاة والحج والصيام من شعب الإيمان وتركها من شعب الكفر والحكم بماأنزل الله من شعب الإيمان والحكم بغير ما أنزل الله من شعب الكفر والمعاصي كلها من شعب الكفر كما ان الطاعات كلها من شعب الإيمان .

 الإيمان قسمان قولية وفعلية وكذلك شعب الكفر نوعان قولية وفعلية ومن شعب الإيمان القولية شعبة يوجب زوالها زوال الإيمان فكذلك من شعبة الفعلية ما يوجب زوالها زوال الإيمان وكذلك شعب الكفر القولية والفعلية فكما يكفر بالأتيان بكلمة الكفر اختيارا وهي شعبة من شعب الكفر فكذلك يكفر بفعل شعبة من شعبه كالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف فهذا اصل .

 وها هنا أصل آخر وهو ان حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل والقول قسمان قول القلب وهو الاعتقاد وقول اللسان وهوالتكلم بكلمة

الإسلام والعمل قسمان عمل القلب وهو نيته وإخلاصه وعمل الجوارح فإذا زالت هذه الأربعة زال الإيمان بكماله وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة #

 فأهل السنة مجمحون على زوال الإيمان وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب وهومحبته وانقياده كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول بل ويقرون به سرا وجهرا ويقولون ليس بكاذب ولكن لا نتبعه ولا نؤمن به وإذا كان الإيمان يزول بزوال عمل القلب فغير مستنكر أن يزول بزوال أعظم اعمال الجوارح ولا سيما إذا كان ملزوما لعدم محبة القلب وانقياده الذي هو ملزوم لعدم التصديق الجازم كما تقدم تقريره فإنه يلزمه من عدم طاعة القلب عدم طاعة الجوارح إذ لو اطاع القلب وانقاد أطاعت الجوارح وانقادت ويلزم من عدم طاعته وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة وهو حقيقة الإيمان فإن الإيمان ليس مجرد التصديق كما تقدم بيانه وإنما هو التصديق المستلزم للطاعة والانقياد وهكذا الهدى ليس هو مجرد معرفة الحق وتبينه بل هو معرفته المستلزمة لاتباعه والعمل بموجبه وإن سمي الأول هدى فليس هو الهدى التام المستلزم للاهتداء كما أن اعتقاد التصديق وإن سمي تصديقا فليس هو التصديق المستلزم للإيمان فعليك بمراجعة هذا الأصل ومراعاته


 فصل في نوعي الكفر
 # وها هنا أصل آخر وهو أن الكفر نوعان كفر عمل وكفر جحود وعناد #

الجحود أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحودا وعنادا من اسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه #

 وأما كفر العمل فينقسم إلى ما يضاد الإيمان وإلى ما لا يضاده فالسجود للضم والاستهانة بالمصحف وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان وأما الحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة فهو من الكفر العملي قطعا ولا يمكن أن ينفي عنه اسم الكفر بعد أن اطلقه الله ورسوله عليه فالحاكم بغير ما انزل الله كافر وتارك الصلاة كافر بنص رسول الله ولكن هو كفر عمل لا كفر اعتقاد ومن الممتنع أن يسمي الله سبحانه الحاكم بغير ما انزل الله كافرا ويسمى رسول الله تارك الصلاة كافرا ولا يطلق عليهما اسم كافر وقد نفى رسول الله الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر وعمن لا يأمن جاره بوائقه وإذا نفي عنه اسم الإيمان فهو كافر من جهة العمل وانتفى عنه كفر الجحود والاعتقاد #

وكذلك قوله لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض البخاري رقم 1739 مسلم رقم 1679 فهذا كفر عمل #

 وكذلك قوله من أتى كاهنا فصدقه أو امرأة في دبرها فقد كفر بما

أنزل على محمد مسند أحمد 2/408 الترمذي رقم 135 أبو داود رقم 3904 ابن ماجة رقم 639 # وقوله إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها احدهما البخاري رقم 6103 مسلم رقم 60 #

 وقد سمى الله سبحانه وتعالى من عمل ببعض كتابه وترك العمل ببعضه مؤمنا بما عمل به وكافرا بما ترك العمل به فقال تعالى ( ^ وإذا اخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسرى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحيواة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ) 2 سورة البقرة / الآيتان 84 و 85 فاخبر سبحانه أنهم أقروا بميثاقه الذي أمرهم به والتزموه به وهذا يدل على تصديقهم به أنهم لا يقتل بعضهم بعضا ولا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم ثم أخبر أنهم عصوا امره وقتل فريق منهم فريقا وأخرجوهم من ديارهم فهذا كفرهم بما أخذ عليهم في الكتاب ثم أخبر انهم يفدون من اسر من ذلك الفريق وهذا إيمان منهم بماأخذ عليهم في الكتاب فكانوا مؤمنين بما عملوا به من الميثاق كافرين بما تركوه منه فالإيمان العملي يضاده الكفر العملي والإيمان الاعتقادي يضاده الكفر الاعتقادي #

 وقد اعلن النبي بما قلناه في قوله في الحديث الصحيح سباب المسلم فسوق وقتاله كفر البخاري رقم 48 مسلم رقم 64 ففرق بين قتاله وسبابه وجعل احدهما فسوقا لا يكفر به والآخر كفر ومعلوم أنه

إنما أراد الكفر العلمي لا الاعتقادي وهذا الكفر لا يخرجه من الدائرة الأسلامية والملة بالكلية كما لا يخرج الزاني والسارق والشارب من الملة وإن زال عنه اسم الإيمان #

وهذا التفصيل هو قول الصحابة الذين هم اعلم الأمة بكتاب الله وبالاسلام والكفر ولوازمهما فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم فإن المتأخرين لم يفهموا مرادهم فانقسموا فريقين فريقا اخرجوا من الملة بالكبائر وقضوا على اصحابها بالخلود في النار وفريقا جعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان فهؤلاء غلوا وهؤلاء جفوا وهدى الله اهل السنة للطريقة المثلى والقول الوسط الذي هو في المذاهب كالإسلام في الملل فها هنا كفر دون كفر ونفاق دون نفاق وشرك دون شرك وفسوق دون فسوق وظلم دون ظلم # قال سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس في قوله تعالى ( ^ ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكفرون ) ه سورة المائدة / الآية 44 ليس هو بالكفر الذي يذهبون إليه #

 عبدالرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاووس عن ابيه قال سئل ابن عباس عن قوله ( ^ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكفرون ) 5 سورة المائدة الآية 44 قال هو بهم كفر وليس كمن كفر بالله وملائكته كتبه ورسله #

 وقال في رواية أخرى عنه كفر لا ينقل عن الملة #

 وقال طاووس ليس بكفر ينقل عن الملة

# وقال وكيع عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق # الذي قاله عطاء بين في القرآن لمن فهمه فإن الله سبحانه سمى الحاكم بغير ما أنزله كافرا وسمى جاحدا ما أنزله على رسوله كافرا وليس الكافران على حد سواء وسمى الكافر ظالما كما في قوله تعالى ( ^ والكافرون هم الظالمون ) 2 سورة البقرة / الآية 254 وسمى متعدي حدوده في النكاح والطلاق والرجعة والخلع ظالما فقال ( ^ ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) 65 سورة الطلاق / الآية 1 وقال نبيه يونس ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) 21 سورة الأنبياء / الآية 87 وقال صفية آدم ( ^ ربنا ظلمنا أنفسنا ) 7 سورة الأعراف الآية 23 وقال كليمه موسى ( ^ رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي ) 28 سورة القصص / الآية 16 وليس هذا الظلم مثل ذلك الظلم #

 الكافر فاسقا كما في قوله كما في قوله ( ^ وما يضل به إلا الفسقين الذين ينقضون عهج الله من بعد ميثقه ) 2 سورة البقرة / الآيتان 26 و 27 الآية وقوله ( ( ^ ولقد أنزلنا إليك آيت بينت يكفر بها إلا الفسقون ) 2 سورة البقرة / الآية 99 وهذا كثير في القرآن # المؤمن من فاسق كما في قوله ( ^ يأيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهلة فتصبحوا على ما فعلتم ندمين ) 49 سورة الحجرات / الآية 6 نزلت في الحكم ابن أبي العاص وليس الفاسق كالفاسق وقال تعالى ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمنين جلدة ولا تقبلوا لهم شهدة أبدا وألئك هم الفاسقون ) 24 سورة النور / الآية 4

وقالعن ابليس ( ^ ففسق عن امر ربه ) 18 سورة الكهف / الآية 50 وقال ( ^ فمن فرش فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ) 2 سورة البقرة / الآية 197 وليس الفسوق كالفسوق # والكفر كفران والظلم ظلمان والفسق فسقان وكذا الجهل جهلان # جهل كفر كما في قوله تعالى ( ^ خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين ) 7 سورة الأعراف / الآية 199 #

غير كفر كقوله تعالى ( ^ إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهلة ثم يتوبون من قريب ) 4 سورة النساء / الآية 17 # كذلك الشرك شركان شرك ينقل عن الملة وهو الشرك الأكبر وشرك لا ينقل عن الملة وهو الشرك الأصغر وهو شرك العمل كالرياء # تعالى في الشرك الأكبر ( ^ إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار ) 5 سورة المائدة / الآية 72 وقال ( ^ ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير او تهوي به الريح في مكان سحيق ) 22 سورة الحج /الآية 31 # شرك الرياء ( ^ فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا ) 18 سورة الكهف / الآية 110 #

 ومن هذا الشرك الأصغر قوله من حلف بغير الله فقد اشرك رواه ابو داود رقم 3251 وغيره مسند أحمد 2/125 الترمذي رقم 1535 # أن حلفه بغير الله لا يخرجه عن الملة ولا يوجب له حكم الكفار

ومن هذا قوله الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل مسند أحمد 4/403 # فانظر كيف انقسم الشرك والكفر والفسوق والظلم والجهل إلى ما هو كفر ينقل عن الملة وإلى ما لا ينقل عنها #

 النفاق نفاقان نفاق اعتقاد ونفاق عمل #

فنفاق الاعتقاد هو الذي أنكره الله على المنافقين في القرآن واوجب لهم الدرك الأسفل من النار #

ونفاق العمل كقوله في الحديث الصحيح آية المنافق ثلاث ْإذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا ائتمن خان البخاري رقم 33 مسلم رقم 59 #

وفي الصحيح ايضا أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر وإذا ائتمن خان البخاري رقم 34 مسلم رقم 58 #

 فهذا نفاق عمل قد يجتمع مع اصل الايمان ولكن إذا استحكم وكمل فقد ينسلخ صاحبه عن الإسلام بالكلية وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم فإن الإيمان ينهى المؤمن عن هذه الخلال فإذا كملت في العبد ولم يكن له ما ينهاه عن شيء منها فهذا لايكون إلا منافقا خالصا #

 الإمام أحمد يدل على هذا فإن إسماعيل بن سعيد الشالنجي قالسألت أحمد ابن حنبل عن المصر على الكبائر يطلبها بجهده إلا أنه لم يترك الصلاة والزكاة والصوم وهل يكون مصرا من كانت هذه حاله

قال هو مصر مثل قوله لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن يخرج من الإيمان ويقع في الإسلام ونحو قوله لا يشرب الخمر حين بشربها وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن البخاري رقم 2475 مسلم رقم 57 ونحو قول ابن عباس في قوله تعالى ( ^ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) 5 سورة المائدة / الآية 44 قال اسماعيل فقلت له ما هذا الكفر قال كفر لا ينقل عن الملة مثل الإيمان بعضه دون بعض فكذلك الكفر حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه
 فصل في اجتماع الكفر والإيمان
 # وههنا أصل آخر وهو أن الرجل قد يجتمع فيه كفر وإيمان وشرك وتوحيد وتقوى وفجور ونفاق وإيمان هذا من أعظم اصول أهل السنة وخالفهم فيه غيرهم من أهل البدع كالخوارج والمعتزلة والقدرية ومسألة خروج أهل الكبائر من النار وتخليدهم فيها مبنية على هذا الأصل # وقد دل عليه القرآن والسنة والفطرة وإجماع الصحابة # قال تعالى ( ^ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) 12 سورة يوسف / الآية 106 فأثبت لهم إيمانا به سبحانه مع الشرك #

قال تعالى ( ^ قالت الاعراب ءامنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمن في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من اعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم 49 سورة الحجرات / الآية 14 فأثبت لهم إسلاما وطاعة لله ورسوله مع نفي الإيمان عنهم وهو الإيمان المطلق الذي يستحق اسمه بمطلقه ( ^ الذين

ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجهدوا بأموالهم وانفسهم في سبيل الله ) 49 سورة الحجرات / الآية 15 وهؤلاء ليسوا منافقين في اصح القولين بل هم مسلمون بما معهم من طاعة الله ورسوله وليسوا مؤمنين وإن كان معهم جزء من الإيمان أخرجهم من الكفار #

قال الإمام احمد من أتى هذه الأربعة أو مثلهن او فوقهن يرد الزنا والسرقة وشرب الخمر والانتهاب فهو مسلم ولا اسمية مؤمنا ومن اتى دون ذلك يريد دون الكبائر سميته مؤمنا ناقص الإيمان فقد دل على هذا قوله فمن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق البخاري رقم 34 مسلم رقم 58 فدل على أنه يجتمع في الرجل نفاق وإسلام #

 الرياء شرك فإذا راءى الرجل في شيء من عمله اجتمع فيه الشرك والإسلام وإذا حكم بغير ما أنزل الله أو فعل ما سماه رسول الله كفرا وهو ملتزم للإسلام وشرائعه فقد قام به كفر وإسلام #

بينا ان المعاصي كلها شعب من شعب الكفر كما ان الطاعات كلها شعب من شعب الإيمان فالعبد تقوم به شعبة أو اكثر من شعب الإيمان وقد يسمى بتلك الشعبة مؤمنا وقد لا يسمى كما أنه قد يسمى بشعبة من شعب الكفر كافرا وقد لا يطلق عليه هذا الاسم # فها هنا امران امر اسمي لفظي وأمر معنوي حكمي #

 فالمعنوي هل هذه الخصلة كفر أم لا واللفظي هل يسمى من قامت به كافرا أم لا # فالأمر الأول شرعي محضن والثاني لغوي وشرعي


 فصل في أنه لا يلزم من القيام بالجزء التسمية بالكل
 # هنا اصل آخر وهو أنه لا يلزم من قيام شعبة من شعب الإيمان بالعبد ان يسمى مؤمنا وإن كان ما قام به إيمانا ولا من قيام شعبة من شعب الكفر به أن يسمى كافرا وإن كان ما قام به كفرا كماأنه لا يلزم من قيام جزء من اجزاء العلم به ان يسمى عالما ولا من معرفة بعض مسائل الفقه والطب أن يسمى فقهيا ولا طبيبا ولا يمنع ذلك ان تسمى شعبة الايمان إيمانا وشعبة النفاق نفاقا وشعبة الكفر كفرا وقد يطلق عليه الفعل كقوله فمن تركها فقد كفر الترمذي رقم 2623 النسائي رقم 463 ومن حلف بغير الله فقد كفر الترمذي رقم 1535 أبو داود رقم 3251 وقوله من اتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر ومن حلف بغير الله فقد كفر رواه الحاكم في صحيحه 1/18 و 4/297 بهذا اللفظ #

 فمن صدر منه خلة من خلال الكفر فلا يستحق اسم كافر على الإطلاق وكذا يقا لمن ارتكب محرما إنه فعل فسوقا وإنه فسق بذلك المحرم ولا يلزمه اسم فاسق إلا بغلبة ذلك عليه وهكذا الزاني والسارق والشارب والمنتهب لا يسمى مؤمنا وإن كان معه إيمان كما أنه لا يسمى كافرا وإن كان ما أتى به من خصال الكفر وشعبه إذ المعاصي كلها من شعب الكفر كما ان الطاعات كلها من شعب الإيمان #

 أن سلب الإيمان من تارك الصلاة أولى من سلبه عن

مرتكب الكبائر وسلب اسم الاسلام عنه اولى من سلبه عمن لم يسلم المسلمون من لسانه ويده فلا يسمى تارك الصلاة مسلما ولا مؤمنا وإن كان شعبة من شعب الإسلام والإيمان #

نعم يبقى ان يقال فهل ينفعه ما معه من الإيمان في عدم الخلود في النار فيقال ينفعه إن لم يكن المتروك شرطا في صحة الباقي واعتباره وإن كان المتروك شرطا في اعتبار الباقي لم ينفعه ولهذا لم ينفع الإيمان بالله ووحدانيته وأنه لا إله إلا هو من أنكر رسالة محمد ولا تنفع الصلاة من صلاها عمدا بغير وضوء فشعب الإيمان قد يتعلق بعضها ببعض تعلق المشروط بشرطه وقد لايكون كذلك
 الصلاة شرط لصحة الإيمان
 # فيبقى النظر في الصلاة هل هي شرط لصحة الإيمان #

 هذا سر المسألة والأدلة التي ذكرناها وغيرها تدل على أنه لا يقبل من العبد شيء من اعماله إلا بفعل الصلاة فهي مفتاح ديوانه ورأس مال ربحه ومحال بقاء الربح بلا رأس مال فإذا خسرها خسر أعماله كلها وإن اتى بها صورة #

 أشار إلى هذا في قوله فإن ضيعها فهو لما سواها أضيع الموطأ 1/6 وفي قوله إن أول ما ينظر في شيء من اعماله بعد راجع ابو داود رقم 413 و 864 والنسائي رقم 465 وابن ماجة رقم 1425 و 1426 والحاكم 1/262 و 263 ومجمع الزوائد 1/291 و 292

# العجب ان يقع الشك في كفر من أصر على تركها ودعى إلى فعلها على رؤوس الملأ وهو يرى بارقة السيف على رأسه ويشد للقتل وعصبت عيناه وقيل له تصلي وإلا قتلناك فيقول اقتلوني ولا اصلي ابدا #

ومن لا يكفر تارك الصلاة يقول هذا مؤمن مسلم يغتسل ويصلي عليه ويدفن في مقابر المسلمين وبعضهم يقول إنه مؤمن كامل الإيمان إيمانه كإيمانه جبريل وميكائيل فلا يستحي من هذا قوله من إنكاره تكفير من شهد بكفره الكتاب والسنة واتفاق الصحابة والله الموفق
 فصل في سياق اقوال العلماء من التابعين ومن بعدهم في كفر تارك الصلاة ومن حكى الإجماع على ذلك #

 قال محمد بن نصر تعظيم قدر الصلاة رقم 978 حدثنا محمد بن يحيى حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن ايوب قال ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه #

وحكى محمد بن نصر 979 عن ابن المبارك قال من أخر صلاة حتى يفوت وقتها متعمدا من غير عذر فقد كفر #

وقال علي بن الحسن بن شقيق سمعت عبدالله بن المبارك يقول من قال إني لا أصلي المكتوبة اليوم فهو اكفر من حمار تعظيم قدر الصلاة رقم 980

# وقال يحيى بن معين قيل لعبدالله بن المبارك إن هؤلاء يقولون من لم يصم ولم يصل بعد أن يقر به فهو مؤمن مستكمل الإيمان فقال عبدالله لا نقول نحن ما يقول هؤلاء من ترك الصلاة متعمدا من غير علة حتى أدخل وقتا في وقت فهو كافر تعظيم قدر الصلاة رقم 981 #

 وقال ابن أبي شيبة قال النبي من ترك الصلاة فقد كفر فيقال له ارجع عن الكفر فإن فعل وإلا قتل بعد أن يؤجله الوالي ثلاثة أيام تعظيم قدر الصلاة رقم 988 #

 وقال أحمد بن يسار سمعت صدقة بن الفضل وسئل عن تارك الصلاة فقال كافر فقال له السائل أتبين منه امرأته فقال صدقة وأين الكفر من الطلاق لو أن رجلا كفر ولم تطلق منه امرأته تعظيم قدر الصلاة رقم 989 #

 قال أب و عبدالله محمد بن نصر تعظيم قدر الصلاة رقم 990 سمعت إسحاق يقول صح عن النبي أن تارك الصلاة كافر وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر
 فصل في أن ترك الصلاة يحبط الأعمال #

 وأما المسألة الرابعة وهي قوله هل تحبط الأعمال بترك الصلاة أم لا فقد عرف جوابها مما تقدم وإنا نفرد هذه المسألة بالكلام عليها بخصوصيتها فنقول

# أما تركها بالكلية فإنه لا يقبل معه عمل كما لا يقبل مع الشرك عمل فإن الصلاة عمود الإسلام كما صح عن النبي وسائر الشرائع كالأطناب والأوتاد ونحوها وإذا لم يكن للفسطاط عمود لم ينتفع بشيء من اجزائه فقبول سائر الاعمال موقوف على قبول الصلاة فإذا ردت ردت عليه سائر الأعمال وقد تقدم الدليل على ذلك #

 وأما تركها أحيانا فقد روي البخاري في صحيحه رقم 553 من حديث بريدة قال قال رسول الله بكروا بصلاة العصر فإن من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله # وقد تكلم قوم في معنى هذا الحديث فأتوا بما لا حاصل له قال المهلب معانه من تركها مضيفا لها متهاونا بفضل وقتها مع قدرته على أدائها حبط عمله في الصلاة خاصة أي لا يحصل له أجر المصلي في وقتها ولا يكون له عمل ترفعه الملائكة # وحاصل هذا القول إن من تركها فاته أجرها ولفظ الحديث ومعناه يأبى ذلك ولا يفيد حبوط عمل قد ثبت وفعل وهذا حقيقة الحبوط في اللغة والشرع ولا يقال لمن فاته ثواب عمل من الأعمال إنه قد حبط عمله وإنما يقال فاته أجر ذلك العمل # وقالت طائفة يحبط عمل ذلك اليوم لا جميع عمله فكأنهم استصعبوا حبوط الأعمال الماضية كلها بترك الصلاة واحدة وتركها عنده ليس بردة تحبط الاعمال فهذا الذي استشكله هؤلاء هو وارد عليهم بعينه في حبوط عمل ذلك اليوم #

 والذي يظهر في الحديث والله أعلم بمراد رسوله أن الترك نوعان ترك كلي لا يصليها أبدا فهذا يحبط العمل جميعه وترك معين في يوم

معين فهذا يحبط عمل ذلك اليوم فالحبوط العام في مقابلة الترك العام والحبوط المعين في مقابلة الترك المعين #

 فإن قيل كيف تحبط الأعمال بغير الردة #

قيل نعم قد دل القرآن والسنة والمنقول عن الصحابة أن السيئات تحبط الحسنات كما الحسنات يذهبن السيئات #

 قال تعالى ( ^ يأيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقتكم بالمن والأذى ( ^ يأيها الذين ءامنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم أن تبحط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ) 49 سورة الحجرات / الآية 2 #

 وقالت عائشة لأم زيد بن أرقم أخبري زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله إلا أن يتوب لما باع بالعينة #

 نص الإمام أحمد على هذا فقال ينبغي للعبد في هذا الزمان أن يستدين ويتزوج لئلا ينظر ما لا يحل فيحبط عمله # وآيات الموازنة في القرآن على هذا فكما أن السيئة تذهب حسنة أكبر منها فالحسنة يحبط أجرها بسيئة أكبر منها #

 فإن قيل فأي فائدة في تخصيص صلاة العصر بكونها محبطة دون غيرها من الصلوات #

قبل الحديث لم ينف الحبوط بغير العصر إلا بمفهوم لقب وهو

مفهوم ضعيف جدا وتخصيص العصر بالذكر لشرفها من بين الصلوات ولهذا كانت هي الصلاة الوسطى بنص رسول الله الصحيح الصريح راجع مسلم رقم 628 ولهذا خصها بالذكر في الحديث الآخر وهو قوله الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله البخاري رقم 552 مسلم رقم 626 اي فكأنما سلب أهله وماله فأصبح بلا أهل ولا مال وهذا تمثيل لحبوط عمله بتركها كأنه شبه أعماله الصحالة بانتفاعه وتمتعه بها بمنزلة أهله وماله فإذا ترك صلاة العصر فهو كمن له أهل ومال فخرج من بيته لحاجة وفيه أهله وماله فرجع وقد اجتيح الأهل والمال فبقي وترا دونهم وموتورا بفقدهم فلو بقيت عليه أعماله الصالحة لم يكن التمثيل مطابقا
 فصل في أنواع حبوط الأعمال
  والحبوط نوعان عام وخاص

 فالعام حبوط الحسنات كلها بالردة والسيئات كلها بالتوبة # والخاص حبوط السيئات والحسنات بضعها ببعض وهذا حبوط مقيد جزئي وقد تقدم دلالة القرآن والسنة والآثار وأقوال الأئمة عليه

# ولما كان الكفر والإيمان كل منهما يبطل الآخر ويذهبه كانت شعبة كل واحد منهما لها تأثير في إذهاب بعض شعب الآخر فإن عظمت الشعبة ذهب في مقابلتها شعب كثيرة #

 وتأمل قول أم المؤمنين في مستحل العينة إنه قد أبطل جهاده مع رسول الله كيف قويت هذه الشعبة التي أذن الله فاعلها بحربه وحرب رسوله على إبطال محاربة الكفار فأبطل الحراب المكروه الحراب المحبوب كما تبطل محاربة أعدائه التي يحبها محاربته التي يبغضها والله المستعان
 فصل في قبول صلاة الليل بالنهار وصلاة النهار بالليل وقضاء الفائتة
  وأما المسألة الخامسة التي هى قوله هل تقبل صلاة الليل بالنهار وصلاة النهار باليل أم لا فهذه المسألة لها صورتان .

 

 إحداهما يقبل فيها بالنص والإجماع وهي ما إذا فاتته صلاة النهار بنوم أو نسيان فصلاها بالليل وعكسه # كما ثبت في الصحيحين البخاري رقم 597 مسلم رقم 684 من حديث أنس بن مالك عن النبي قال من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها واللفظ لمسلم

# وروى مسلم عنه أيضا رقم 684 قال قال رسول الله إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول ( ^ وأقم الصلواة لذكري ) 20 سورة طه / الآية 14 # وفي صحيح مسلم رقم 680 عن أبي هريرة أن رسول الله حين قفل من غزوة خيبر سار ليلة حتى إذا ادركه الكرى عرس وقال لبلال أكد لنا الليل فصلى بلال ما قدر له ونام رسول الله وأصحابه فلما تقارب الفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر فغلبت بلالا عيناه وهو مستند إلى راحلته فلم يستيقظ رسول الله ولا بلال ولاأحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس فكان رسول الله اولهم استيقاظ ففزع رسول الله فقال اي بلال فقال بلال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال قتادة فاقتادوا رواحلهم شيء ثم توضأ رسول الله وأمر بلالا فأقام الصلاة فصلى بهم الصبح فلما قضى الصلاة قال من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى قال ( ^ وأقم الصلواة لذكري ) 20 سورة طه / الآية 14 # وفي الصحيحين البخاري رقم 344 مسلم رقم 682 من حديث عمران بن حصين نحو هذه القصة #

وفي صحيح مسلم رقم 681 عن أبي قتادة قال ذكروا للنبي نومهم عن الصلاة قال إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى

# وفي مسند الإمام أحمد 1/386 و 464 من حديث عبدالله بن مسعود قال أقبل النبي من الحديبية ليلا فنزلنا منزلا دهاسا من الأرض فقال من يكلؤنا فقال بلال أنا قال إذا تنام قال لا فنام حتى طلعت الشمس فالستيقظ فلا وفلان فيهم عمر فقال اهضبوا فاستيقظ النبي فقال افعلوا كما كنتم تفعلون فلما فعلوا قال هكذا فافعلوا لمن نام منكم أو نسي فهذا متفق عليه بين الأئمة #

واختلفوا في مسألتين لفظية وحكمية # فاللفظية هل تسمى هذه الصلاة أداء قضاء # فيه نزاع لفظي محض فهي قضاء لما فرض الله عليهم واداء باعتبار الوقت في حق النائم والناسي فإن الوقت في حقهما وقت الذكر والأنتباه فلم يصلها إلا في وقتها الذي أمرنا بإيقاعها فيه وأما ما يذكره الفقهاء في كتبهم من قوله فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها فهذه الزيادة لم أجدها في شيء من كتب الأحاديث ولا اعلم لها إسنادا ولكن قد روى البيهقي السنن 2/219 والدارقطني 1/423 من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن ابي هريرة أن النبي قال من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها


 فصل في قضاء الفائتة على الفور أو التراخي #

 وأما المسألة الحكمية فهل تجب المبادرة إلى فعلها على الفور حين يستيقظ ويذكر أم يجوز له التأخير #

 فيه قولان :

 أصحهما وجوبها على الفور وهذا قول جمهور الفقهاء منهم إبراهيم النخعي ومحمد بن شهاب الزهري وربيعة ابن أبي عبدالرحمن ويحيى بن سعيد الأنصاري وابو حنيفة ومالك والإمام أحمد وأصحابهم وأكثر العلماء وظاهر مذهب الشافعي أنه على التراخي واحتج من نص على هذا القول بأن النبي لم يصلها في المكان الذي ناموا به بل أمرهم فاقتادوا رواحلهم إلى مكان آخر فصلى فيه وفي حديث أبي قتادة فلما استيقظوا قال اركبوا فركبنا فسرنا حتى ارتفعت الشمس نزل ثم دعا بميضأة فيها ماء فتوضأ ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله ركعيتن ثم صلى الغداة # قالوا ولو وجب القضاة على الفور لم يفارق منزله حتى يفعلها #

قالوا ولا يصح الاعتذار عن هذا بأن ذلك المكان كان فيه شيطان فلم يصلوا فيه فإن حضور الشيطان في المكان لا يكون عذرا في تأخير الواجب #

قال الشافعي ولو كان وقت الفائتة يضيق لماأخره لأجل الشيطان

فقد صلى وهو يخنق الشيطان راجع البخاري رقم 461 مسلم رقم 541 #

 قال الشافعي فخنقه للشيطان في الصلاة أبلغ من واد فيه شيطان #

 قالوا ولأنها عبادة مؤقتة فإذا فاتت لم يجب قضاؤها على الفور كصوم رمضان بل أولى لأن الأداء متوسع في الصلاة دون الصوم فكانت التوسعة في القضاء أولى # وقال أبو اسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي الشافعي إن اخرها لعذر قضاها على التراخي للحديث وإن اخرها لغير عذر قضاها على الفور لئلا يثبت بتفريطه ومعصيته رخصة لم تكن #

 واحتج الجمهور بما رواه مسلم في صحيحه رقم 681 من حديث أبي قتادة أنهم ذكروا للنبي نومهم عن الصلاة فقال ليس في النوم تفريط فإذا نسي أحدكم صلاة اونام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك #

 وفي صحيحه أيضا رقم 680 عن أبي هريرة قال قال رسول الله من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله قال ( ^ وأقم الصلواة لذكري ) 20 سورة طه / الآية 14 # وعند الدارقطني 1/423 في هذا الحديث من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها # وهذه الألفاظ صريحة في الوجوب على الفور #

 قالوا وما استدللتم به على جواز التأخير فإنما يدل على التأخير اليسير الذي لا يصير صاحبه مهملا معرضا عن القضاء بل يفعله لتكميل

الصلاة من اختيار بقعة على بقعة وانتظار رفقة او جماعة لتكثير اجر الصلاة ونحو ذلك من تأخير يسير لمصلحتها وتكميلها فكيف يؤخذ من هذا التأخير اليسير لمصلحتها جواز تأخير جواز تأخيرها سنين عددا #

 وقد نص الإمام أحمد على ان المسافر إذا نام في منزله عن الصلاة حتى فاتت أنه يستحب له أن ينتقل عنه إلى غيره فيقضيها فيه للخبر مع أن مذهبه وجوب فعلها على الفور وإذا كانت اوامر الله ورسوله المطلقة على الفور فكيف المقيدة ولهذا أوجب الفورية في المقيدة اكثر من نفاها في المطلقة #

 وأما ما تمسكوا به من القياس على قضاء رمضان فجوابه من وجهين #

 أحدهما أن السنة فرقت بين الموضعين فجوزت تأخير قضاء رمضان وأوجبت فعل المنسية عند ذكرها فليس لنا أن نجمع ما فرقت السنة بينهما #

 الثاني أن هذا القياس حجة عليهم فإن تأخير رمضان إنما يجوز إذا لم يأتي رمضان وهم يجوزون تأخير الفائتة وإن اتى عليها اوقات صلوات كثيرة فأين القياس # وأما قولهم لو وجب الفور لما جاز التأخير لأجل الشيطان فقد تقدم جوابه وهو ان الموجبين للفور يجوزون التأخير اليسير لمصلحة التكميل #

 وأما نقضهم بخنق النبي للشيطان في صلاته راجع البخاري رقم 461 مسلم رقم 541 فمن أعجب النقض فإن التأخير اليسير للعدول عن مكان الشيطان لا تترك به الصلاة ولا يذهب به وقتها ولا يقطعها المصلي بخلاف من عرض له الشيطان في صلاته فإنه لو تركها

لأجله لكان قد أبطل صلاته وقطعها بعد دخوله فيها ولعله إن تعرض له في الصلاة الثانية فيقطعها فيترك الصلاة بالكلية فأين إحدى المسألتين من الأخرى والله أعلم بالصواب
 فصل في هل يصح قضاء الفائتة عمدا أم لا
 # وأما الصورة الثانية وهي ما إذا ترك الصلاة عمدا حتى خرج وقتها فهي مسألة عظيمة تنازع فيها الناس هل ينفعه القضاء ويقبل منه ام لا ينفعه ولا سبيل له إلى استدراكها ابدا # فقال ابو حنيفة والشافعي وأحمد ومالك يجب عليه قضاؤها ولا يذهب القضاء عنه إثم التفويت بل هو مستحق للعقوبة إلى أن يعفو الله عنه # وقالت طائفة من السلف والخلف من تعمد تأخير الصلاة عن وقتها من غير عذر يجوز له التأخير فهذا لا سبيل له إلى استدراكها ولايقدر على قضائها ابدا ولا يقبل منه # ولا نزاع بينهم أن التوبة النصوح تنفعه ولكن هل من تمام توبته قضاء تلك الفوائت التي تعمد تركها فلا تصح التوبة بدون قضائها أم لا تتوقف التوبة على القضاء فيحافظ عليها في المستقبل ويستكثر من النوافل وقد تعذر عليه استدراك ما مضى # هل هذا محل الخلاف ونحن نذكر حجج الفريقين #

 قال الموجبون للقضاء لما امر النبي النائم والناسي بالقضاء

وهما معذوران غير مفرطين فإيجاب القضاء على المفرط العاصي أولى واحرى فلو كانت الصلاة لا تصح إلا في وقتها لم ينفع قضاؤها بعد الوقت في حق النائم والناسي # قالوا وقد صلى العصر بعد المغرب يوم الخندق هو وأصحابه راجع البخاري رقم 596 مسلم رقم 631 ومعلوم قطعا أنهم لم يكونوا نائمين ولا ساهين عنها ولو اتفق النسيان لبعضهم لم يتفق للجميع #

 قالوا وكيف يكون المفرط بالتأخر أحسن حالا من المعذور فيخفف عن المفرط ويشدد على المعذور #

 قالوا وإنما أنام الله سبحانه وتعالى رسوله والصحابة ليبين للأمة حكم من فاتته الصلاة وأنها لا تسقط عنه بالتفويت بل يتداركها فيما بعد #

 قالوا وقد أمر النبي من افطر بالجماع في رمضان ان يقضي يوما مكانه أبو داود رقم 2393 ابن ماجة رقم 1671 #

 قالوا ولاقياس يقتضي وجوب القضاء فإن الامر متوجه علىالمكلف بفعل العبادة في وقتها فإذا فرط في الوقت وتركه لم يكن ذلك مسقط بفعل العبادة في وقتها فإذا فرط في الوقت وتركه لم يكن ذلك مسقطا لفعل العبادة عنه #

قال الآخرون أوامر الرب تبارك وتعالى نوعان نوع مطلق غير مؤقت فهذا يفعل في كل وقت نوع مطلق غير مؤقت بوقت محدود وهو نوعان #

 احدهما ما وقته بقدر فعله كالصيام #

ما وقته أوسع من فعله كالصلاة

# وهذا القسم فعله في وقته شرط في كونه عبادة مأمورا بها فإنه إنما امر به على هذه الصفة فلا تكون عبادة على غيرها #

 قالوا فما أمر الله به في الوقت فتركه المأمور حتى فات وقته لم يمكن فعله بعد الوقت شرعا وإن أمكن حسا بل لا يمكن حسا ايضا فإن إيتانه بعد الوقت امر غير المشروع #

قالوا ولهذا لا يمكن فعل الجمعة بعد خروج وقتها ولا الوقوف بعرفة بعد وقته # قالوا ولا مشروع إلا ما شرعه الله ورسوله وهو سبحانه ما شرع فعل الصلاة والصيام والحج إلا في أوقات مختصة به فإذا فاتت تلك الأوقات لم تكن مشروعة ولم يشرع الله سبحانه فعل الجمعة يوم السبت ولاالوقوف بعرفة في اليوم العاشر ولاالحج في غير اشهره #

وأما الصلوات الخمس فقد ثبت بالنص والإجماع أن المعذور بالنوم والنسيان وغلبة العقل يصليها إذا زال عذره وكذلك صوم رمضان شرع الله سبحانه قضاءه بعذر المرض والسفر والحيض وكذلك شرع رسوله الجمع بين الصلاتين المشتركتين في الوقت للمعذور بسفر أو مرض او شغل يبيح الجمع فهذه يجوز تأخيرها عن وقتها المختص إلى وقت الأخرى للمعذور ولا يجوز لغيره بالاتفاق بل هو من الكبائر العظام كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر ولكن يجب عليه فعلها وإن اخرها إلى وقت الثانية في هذه الصورة لأنها تفعل في هذا الوقت في الجملة # وقد أمر النبي بالصلاة خلف الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها وقيل له ألا نقاتلهم قال لا ما صلوا مسلم رقم

وهم كانوا يؤخرون الظهر خاصة إلى وقت العصر فأمر بالصلاة خلفهم وتكون نافلة للمصلي وأمره أن يصلي الصلاة في وقتها ونهى عن قتالهم #

 قالوا وأما من اخر صلاة النهار فصلاها بالليل أوصلاة الليل فصلاها بالنهار فهذا الذي فعله غير الذي أمر به وغير ما شرعه الله ورسوله فلا يكون صحيحا ولامقبولا #

 قالوا وقد قال رسول الله من ترك صلاة العصر حبط عمله البخاري رقم 553 # وقال الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر اهله وماله البخاري رقم 552 مسلم رقم 626 #

فلو كان يمكنه استدراكها بالليل لم يحبط عمله ولم يكن موتورا من أعماله بمنزلة الموتر من أهله وماله #

قالوا وقد صح عنه أنه قال من ادرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشمس فقد أدرك العصر البخاري رقم 556 مسلم رقم 608 فكذا من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ولو كان فعلها بعد المغرب وطلوع الشمس صحيحا مطلقا لكان مدركا سواء أدرك ركعة أو اقل من ركعة أو لم يدرك منها شيئا فإنه لم يرد أدرك ركعة صحت صلاته بلا إثم إذ لاخلاف بين الأمة أنه لا يحل له تأخيره إلى ان يضيق وقتها عن كمال فعلها وإنما أراد بالإدراك اصحة والأجزاء وعندكم تصح وتجزيء ولو ادرك منها قدر تكبيرة أو لم يدرك منها شيئا فلا معنى للحديث عندكم البتة

# قالوا والله سبحانه قد جعل لكل صلاة وقتا محدود الأول والآخر ولم يأذن في فعلها قبل دخول وقتها ولا بعد خروج وقتها والمفعول قبل الوقت وبعده أمر غير المشروع فلو كان الوقت ليس شرطا في صحتها لكان لا فرق في الصحة بين فعلها قبل الوقت وبعده لأن كلا الصلاتين صلاها في غير وقتها فكيف قبلت من هذا المفرط بالتنفويت ولم تقبل من المفرط بالتعجيل #

قالوا والصلاة في الوقت واجبة على كل حال حتى أنه يترك جميع الواجبات والشروط لأجل الوقت فإذا عجز عن الوضوء والاستقبال أو طهارة الثوب والبدن وستر العورة أو قراءة الفاتحة او القيام في الوقت وأمكنه ان يصلي بعد الوقت بهذه الأمور فصلاته في الوقت بدونها هي التي شرها الله واوجبها ولم يكن له أن يصلي بعد الوقت مع كمال هذه الشروط والواجبات فعلم أن الوقت مقدم عندالله ورسوله على جميع الواجبات فإذا لم يكن إلا أحد الامرين وجب أن يصلي في الوقت بدون هذه الشروط والواجبات ولو كان له سبيل إلى استدراك الصلاة بعد خروج وقتها لكانت صلاته بعد الوقت مع كمال الشروط والواجبات خيرا من صلاته في الوقت بدونها وأحب إلى الله وهذا باطل بالنص والإجماع #

 قالوا وأيضا فقد توعد الله سبحانه من فوت الصلاة عن وقتها بوعيد التارك لها قال تعالى ( ^ فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) 107 سورة الماعون / الآيتان 4 و 5 وقد فسر أصحاب رسول الله السهو عنها بأنه تأخيرها عن وقتها كما ثبت ذلك عن سعد ابن أبي وقاص وفيه حديث مرفوع سنن البيهقي 2/214 وقال تعالى ( ^ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلواة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) 19 سورة

مريم / الآية 59 وقد فسر الصحابة والتابعون إضاعتها بتفويت وقتها راجع صفحة 32 # والتحقيق أن اضاعتها تتناول تركها وترك وقتها وترك واجباتها وأركانها وأيضا إن مؤخرها عن وقتها عمدا متعد لحدود الله كمقدمها عن وقتها فما بالها تقبل مع تعدي هذا الحد ولا تقبل مع تعدي الحد الآخر #

قالوا وأيضا فنقول لمن قال إنه يستدركها بالقضاء أخبرنا عن هذه الصلاة التي تأمر بفعلها هي التي امر الله بها أم هي غيرها #

 قال هي بعينها قيل له فالعامد بتركها حينئذ ليس عاصيا لأنه قد فعل ماأمر الله به بعينه فلا يلحقه الإثم والملامة وهذا باطل قطعا وإن قال ليست هي التي أمر الله بها قيل له فهذا من اعظم حججنا عليك إذ أقررت أن هذه غير مأمور بها #

ثم نقول أيضا ما تقولون في من تعمد تفويتها حتى خرج وقتها ثم صلاها أطاعه صلاته تلك ام معصية فإن قالوا صلاته طاعة وهو مطيع بها خالفوا الإجماع والقرآن والسنن الثابتة وإن قالوا هي معصية قيل فكيف يتقرب إلى الله بالمعصية وكيف تنوب المعصية عن الطاعة فإن قلتم هو مطيع بفعلها عاص بتأخيرها وهو أنه إذا تقرب بالفعل الذي هو طاعة لا بالتفويت الذي هو معصية قيل لكم الطاعة هي موافقة الأمر وامتثاله على الوجه الذي امر به فأين الله ورسوله ممن تعمد تفويت الصلاة بفعلها بعد خروج وقتها حتى يكون مطيعا له بذلك فلو ثبت ذلك لكان فاصلا للنزاع في المسألة # قالوا وأيضا فغير أوقات العبادة لا تقبل تلك العبادة بوجه كما أن الليل لا يقبل الصيام وغير اشهر الحج لا يقبل الحج وغير وقت الجمعة لا

تقبل الجمعة فأي فرق بين من قال ان أفطر النهار وأصوم الليل أو قال أنا أفطر رمضان في هذا الحر الشديد وأصوم مكانه شهرا في الربيع أو قال أنا أؤخر الحج من شهره إلى المحرم أو قال أنا اصلي الجمعة بعد العشاء الآخرة أو اصلي العيدين في وسط الشهر وبين من قال انا أؤخر صلاة النهار إلى الليل وصلاة الليل إلى النهار فهل يمكن أحدا قط أن يفرق بين ذلك # قالوا وقد جعل الله سبحانه للعبادات أمكنه وأزمنة وصفات فلا ينوب مكان عن المكان الذي جعله الله مكانا ميقاتا لها كعرفة ومزدلفة ومنى ومواضع الجمار والمبيت والصفا والمروة ولا تنوب صفة من صفاتها التي اوجبها الله عليها عن صفة فكيف ينوب زمان عن زمانها الذي أوجبها الله فيه عنه # قالوا وقد دل النص والإجماع على أن من اخر الصلاة عن وقتها عمدا أنها قد فاتته كما قال النبي من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله البخاري رقم 552 مسلم رقم 626 وما فات فلا سبيل إلى إدراكه ألبتة ولو امكن أن يدرك لما سمي فائتا وهذا مما لا شك فيه لغة وعرفا وكذلك هو في الشرع وقد قال النبي لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من يوم عرفة الموطأ 1/390 مجمع الزوائد 3/255 أفلا تراه جعله فائتا بفوات وقته لما لم يمكن أن يدرك في يوم بعد ذلك اليوم وهذا بخلاف المنسية والتي نام عنها فإنها لا تسمى فائتة ولهذا لم تدخل في قوله الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر اهله وماله البخاري رقم 552 مسلم رقم 626 # قالوا والأمة مجمعة على أن من ترك الصلاة عمدا حتى يخرج وقتها

فقد فاتته ولو قبلت منه وصحت بعد الوقت لكان تسميتها فائتة لغوا وباطلا وكيف يفوت ما يدرك # قالوا وكما أنه لا سبيل إلى استدراك الوقت الفائت ابدا فلا سبيل إلى استدراك فرضه ووصفه # قالوا وهذا معنى قوله في الحديث الذي رواه أحمد المسند 2/386 وغيره أبو داود رقم 2396 الترمذي رقم 723 ابن ماجة رقم 1672 من أفطر يوما من رمضان من غير عذر لم يقضه عنه صيام الدهر فأين هذا من قولكم يقضيه عنه صيام يوم من اي شهر اراد # قالوا وقد امر الله سبحانه المسلمين حال مواجهة عدوهم أن يصلوا صلاة الخوف فيقصروا من اركانها ويفعلوا فيها الأفعال الكثيرة ويستدبروها فيها القبلة ويسلمون قبل الأمام بل يصلون رجالا وركبانا حتى لو لم يمكنهم إلا الإيماء اتوا بها على دوابهم إلى غير القبلة في وقتها ولو قبلت منهم في غير وقتها وصحت لجاز لهم تأخيرها إلى وقت الأمن وإمكان الإتيان بها وهذا يدل على أنها بعد خروج وقتها لا تكون جائزة ولا مقبولة منهم مع العذر الذي أصابهم في سبيله وجهاد اعدائه فكيف تقبل من صحيح مقيم لا عذر له البتة وهو يسمع داعي الله جهرة فيدعها حتى يخرج وقتها ثم يصليها في غير الوقت وكذلك لم يفسح في تأخيرها عن وقتها للمريض بل امره أن يصلي على جنبه بغير قيام ولا ركوع ولا سجود إذا عجز عن ذلك ولو كانت تقبل منه وتصح في غير وقتها لجاز تأخيرها إلى زمن الصحة # فأخبرونا أي كتاب أو سنة أو اثر عن صاحب نطق بأن من اخر الصلاة وفوتها عن وقتها الذي امر الله بإيقاعها فيه عمدا يقبلها الله منه

بعد خروج وقتها وتصح منه وتبرأ ذمته منها ويثاب عليها ثواب من ادى فريضته هذا والله ما لا سبيل لكم إليه البتة حتى تقوم الساعة ونحن نوجد لكم عن اصحاب رسول الله مثل ما قلناه وخلاف قولكم
 فصل في قول ابي بكر الصديق الذي لم يعلم ان احدا من الصحابة أنكره عليه
 # قال عبدالله بن المبارك في الزهد رقم 914 أخبرنا إسماعيل ابن أبي خالد عن زيد ان ابا بكر قال لعمر بن الخطاب إني موصيك بوصية إن حفظتها إن لله حقا بالنهار لا يقبله بالليل وحقا بالليل لا يقبله بالنهار وإنها لا تقبل نافلة حتى تؤدي الفريضة وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم في الدنيا الحق وثقله عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل وخفته عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يخف وإن الله عز وجل ذكر أهل الجنة وصالح ما عملوا وتجاوز عن سيئاتهم فإذا ذكرتهم خفت ألا أكون منهم وذكر اهل النار وأعمالهم فإذا ذكرتهم قلت أخشى أن أكون منهم وذكر آية الرحمة وآية العذاب ليكون المؤمن راغبا راهبا فلا يتمنى على الله غير الحق ولا يلقى بيده إلى التهلكة فإن حفظت قولي فلا يكونن غائب أحب اليك من الموت ولا بد لك منه وإن ضيعت وصيتي فلا يكونن غائباحب إليك من الموت ولن تعجزه # وقال هناد بن السري الزهد 1/496 حدثنا عبده عن إسماعيل ابن ابي خالد عن زبيد اليامي قال لما حضرت أبا بكر الوفاة فذكره


# قالوا فهذا أبو بكر قال إن الله لا يقبل عمل النهار بالليل ولا عمل الليل بالنهار ومن يخالفنا بهذه المسألة يقولون بخلاف هذا صريحا وأنه يقبل صلاة العشاء الآخرة وقت الهاجرة ويقبل صلاة العصر نصف النهار #

 قالوا فهذا قول أبي بكر وعمر وابنه عبدالله وسعد ابن ابي وقاص وسلمان الفارسي وعبدالله بن مسعود والقاسم بن محمد ابن أبي بكر وبديل العقيلي ومحمد بن سيرين ومطرف بن عبدالله وعمر بن عبدالعزيز رضي الله عنهم وغيرهم #

 قال شعبة عن يعلى بن عطاء عن عبدالله بن خراش قال رأى ابن عمر رجلا يقرأ في صحيفة قال له يا هذا القاريء إنه لا صلاة لمن لم يصل الصلاة لوقتها فصل ثم أقرأ ما بدا لك #

قالوا ولا يصح تأويلكم ذلك على أنه لا صلاة كاملة لوجوه #

أن النفي يقتضي نفي حقيقة المسمى والمسمى هنا هو الترتيب وحقيقة منتفية هذه حقيقة اللفظ فما الموجب للخروج عنها #

 الثاني إنكم إذا أردتم بنفي الكمال الكمال المستحب فهذا باطل فإن الحقيقة الشرعية لا تنتفي لنفي مستحب فيها وإنما تنتفي لنفي ركن من أركانها وجزء من اجزائها وهكذا كل نفي ورد على حقيقة شرعية كقوله لا إيمان لمن لا أمانة له مسند أحمد ولا صلاة لمن لا وضوء له مسند أحمد 2/418 أبو داود رقم 101 ابن ماجة رقم 399 ولا عمل لمن لا نية له ابن ابي الدنيا الإخلاص والنية

رقم 59 ولا صيام لمن لا يبيت الصيام من الليل أبو داود رقم 2454 النسائي رقم 2331 الترمذي رقم 730 ابن ماجه رقم 1700 ولا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب البخاري رقم 756 مسلم رقم 394 ولو انتفت لانتفاء بعض مستحباتها فما من عبادة إلا وفوقها من جنسها ما هوه احب إلى الله منها وقد ساعدتمونا على أن الوقت من واجباتها فإن انتفت بنفي واجب فيها لم تكن صحيحة ولا مقبولة #

الثالث إنه إذا لم يكن نفي حقيقة المسمى فنفي صحته والاعتداد به اقرب إلى نفيه من كماله المستحب #

وقال محمد بن المثنى حدثنا عبدالأعلى حدثنا سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة قال ذكر لنا أن عبدالله بن مسعود كان يقول إن للصلاة وقتا كوقت الحج المصنف لعبد الرزاق رقم 3747 فصلوا الصلاة لميقاتها المحلى 2/372 فهذا عبدالله قد صرح بأن وقت الصلاة كوقت الحج فإذا كان الحج لا يفعل في غير وقته فما بال الصلاة تجزيء في غير وقتها #

 وقال عبدالرزاق المصنف رقم 2234 1/587 عن معمر عن بديل العقيلي قال بلغني أن العبد إذا صلى الصلاة لوقتها صعدت ولها نور ساطع في السماء وقالت حفظتني حفظك الله وإذا صلاها لغير وقتها طويت كما يطوى الثوب الخلق فيضرب بها وجهه


 فصل في حجج الذين يقولون بقضاء الصلاة المتروكة عمدا
 # قال الذين يعتدون بها بعد الوقت ويبرئون بها الذمة واللفظ لأبي عمر ابن عبدالبر فإنه انتصر لهذه المسألة اتم انتصار ونحن نذكر كلامه بعينه قال في الاستذكار في باب النوم عن الصلاة قرأت على عبدالوارث أن قاسما حدثهم حدثنا أحمد بن زهير حدثنا ابن الاصبهاني حدثنا عبيدة بن حميد عن يزيد بن أبي زياد عن تميم بن سلمة عن مسروق عن ابن عباس قال كان رسول الله في سفر فعرسوا من آخر الليل فلم يستيقظوا حتى طلعت الشمس فأمر بلالا فأذن ثم صلى ركعتين قال ابن عباس فما يسرني بها الدنيا وما فيها يعني الرخصة مسند أحمد 1/259 ومجمع الزوائد 1/321 #

 قال أبو عمر ذلك عندي والله اعلم لأنه كان سببا إلى أن أعلم أصحابه المبلغين عنه إلى سائر أمته بأن مراد الله عن عباده في الصلاة وإن كانت مؤقته أن من لم يصلها في وقتها يقضيها أبدا متى ذكرها ناسيا كان لها او نائما عنه او متعمدا لتركها #

 ألا ترى ألا حديث مالك في هذا الباب عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله قال من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها الموطأ 1/13 والنسيان في لسان العرب يكون للترك عمدا او يكون ضد الذكر قال الله تعالى ( ^ نسوا الله فنسيهم ) 9 سورة التوبة الآية 67 اي تركوا طاعة الله والإيمان بما جاء به رسول الله

فتركهم الله من رحمته وهذا لا خلاف فيه ولا يجهله من له اقل علم بتأويل القرآن # فإن قيل فلم خص النائم والناسي بالذكر في قوله في غير هذا الحديث من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها الموطأ 1/13 قيل خص النائم والناسي ليرتفع التوهم والظن فيهما لرفع القلم في سقوط التأثيم عنهما بالنوم والنسيان فأبان رسول الله أن سقوط الاثم عنهما غير مسقط لما لزمهما من فرض الصلاة وأنها واجبة عليهما عند الذكر لها يقضيها كل واحد منهما بعد خروج وقتها إذا ذكرها ولم يحتج إلى ذكر العامد معهما لأن العلة المتوهمة في الناسي والنائم ليست فيه ولا عذر له في ترك فرض قد وجب عليه من صلاته إذا كان ذاكرا له وسوى الله سبحانه وتعالى في حكمها على لسان رسوله بين حكم الصلاة المؤقتة والصيام الؤقت في شهر رمضان بل كل واحد منهما يقضى بعد خروج وقته فنص على النائم والناسي في الصلاة كما وصفنا ونص على المريض والمسافر في الصوم وأجمعت الامة ونقلت الكافة فيمن لم يصم شهر رمضان عامدا وهو مؤمن بفرضه وإنما تركه أشرا وبطرا ثم تاب منه بعد ذلك أن عليه قضاءه وكذلك من ترك الصلاة عامدا فالعامد والناسي في القضاء للصلاة والصيام سواء وإن اختلفا في الاثم كالجاني على الاموال المتلف لها عامدا وناسيا سواء إلا في الاثم وكان الحكم في هذا النوع بخلاف رمي الجمار في الحج الذي لا يقضى في غير وقته لعامد ولا ناس لوجوب الدم فيما ينوب عنها وبخلاف الضحايا أيضا لأن الضحايا ليست بواجبة فرضا والصلاة والصيام كلاهما فرض واجب ودين ثابت يؤدي ابدا , ان خرج الوقت المؤجل لهما قال رسول الله دين الله احق ان يقضى البخاري رقم 1953 مسلم رقم 1148 وإذا

كان النائم والناسي للصلاة وهما معذوران يقضيانها بعد خروج وقتها كان المتعمد لتركها الآثم في فعله ذلك وإن أبي لا يسقط عنه فرض الصلاة وأن يحكم عليه بالأتيان بها لأن التوبة من عصيانه في عمد تركها هي أداؤها وإقامتها مع الندم على ما سلف من تركه لها في وقتها #

وقد شذ بعض أهل الظاهر اي ابن حزم واقدم على خلاف جمهور علماء المسلمين وسبيل المؤمنين فقال ليس على المتعمد لترك الصلاة في وقتها أن يأتي بها في غير وقتها لأنه غير نائم ولا ناس وإنما قال رسول الله من نام عن صلاته أو نسيها فليصلها إذا ذكرها الموطأ 1/13 قال والمتعمد غير الناسي والنائم المحلى 2/235 # قال وقياسه عليهما غير جائز عندنا كما أن من قتل الصيد لا يجزيه عندنا # فخالف في المسألتين جمهور العلماء وظن أنه يستتر في ذلك برواية شاذة جاءت عن بعض التابعين شذ فيها عن جماعة من علماء المسلمين وهو محجوج بهم مأمور باتباعهم فخالف هذا الظاهري طريق النظر والاعتبار وشذ عن جماعة علماء الأمصار ولم يأت فيما ذهب إليه من ذلك بدليل يصح في العقول # ومن الدليل على أن الصلاة تصلى وتقضي بعد خروج وقتها كالصيام سواء وإن كان إجماع الامة الذين أمر من شذ عنهم بالرجوع إليهم وترك الخروج عن سبيلهم يغني عن الدليل في ذلك قول النبي من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ومن أدرك ركعة من الصبح قبل ان تطلع الشمس فقد أدرك الصبح البخاري رقم 556 مسلم رقم 608

# ولم يستثن متعمدا من ناس

 ونقلت الكافة عنه أن من ادرك ركعة من صلاة العصر قبل الغروب صلى تمام صلاة العصر بعد الغروب البخاري رقم 556 وذلك بعد خروج الوقت عند الجميع ولا فرق بين عمل صلاة العصر كلها لمن تعمد او نسي او فرط وبين عمل بعضها في نظر ولا اعتبار # ودليل آخر وهو أن رسول الله لم يصل هو ولا أصحابه يوم الخندق صلاة الظهر والعصر حتى غربت الشمس لشغله بما نصبه المشركون من الحرب ولم يكن يومئذ نائما ولا ناسيا ولا كانت بين المسلمين والكافرين يومئذ حرب قائمة ملتحمة وصلى الظهر والعصر بالليل #

ودليل آخر ايضا وهو أن رسول الله قال بالمدينة لأصحابه يوم انصرافه من الخندق لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة البخاري رقم 946 ومسلم رقم 1770 فخرجوا مبادرين وصلى بعضهم العصردون بني قريظة خوفا من خروج وقتها المعهود ولم يصلها بعضهم إلا في بني قريظة بعد غروب الشمس لقوله لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة فلم يعنف رسول الله أحدا من الطائفتين وكلهم غير ناس ولا نائم وقد اخر بعضهم الصلاة حتى خرج وقتها ثم صلاها وقد علم رسول الله ذلك فلم يقل لهمإن الصلاة لم تصل في وقتها ولا تقضى بعد خروج وقتها # ودليل آخر وهو قوله سيكون بعدي امراء يؤخرون الصوات عن ميقاتها قالوا انفصليها معهم قال نعم #

 حدثنا عبدالوراث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود حدثنا

سفيان الثوري عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي المثنى الحمصي قال اتى الي عن امرأة عبادة بن الصامت عن عبادة بن الصامت قال كنا عند النبي فقال إنه سيجيء بعدي امراء تشغلهم اشياء حتى لا يصلوا الصلاة لميقاتها قالوا نصليها معهم يا رسول الله قال نعم مسند أحمد 3/314 #

 قال ابو عمر ابو مثنى الحمصي هو الاملوكي ثقة # وفي هذا الحديث أن رسول الله اباح الصلاة بعد خروج ميقاتها ولم يقل إن الصلاة لا تصلى إلا في وقتها # والأحاديث في تأخير الأمراء الصلاة حتى يخرج وقتها كثيرة جدا وقد كان الامراء من بني امية واكثرهم يصلون الجمعة عند الغروب وقد قال إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى وقد اعلمهم أن وقت الظهر في الحضر ما لم يدخل وقت العصر وروي ذلك عنه من وجوه صحاح قد ذكرت بعضها في صدر الكتاب يعني الإستذكار في المواقيت # وحدثنا عبدالله بن محمد بن راشد حدثنا حمزة بن محمد بن علي حدثنا أحمد بن شعيب النسوي حدثنا سويد بن نضر حدثنا عبدالله يعني ابن المبارك عن سليمان بن مغيرة عن ثابت بن عبدالله بن رباح عن ابي قتادة أن رسول الله قال ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى مسلم رقم 681 الترمذي رقم 117 ابو داود رقم 437 # فقد سمى رسول الله من فعل هذا مفرطا والمفرط ليس بمعذور

وليس كالنائم والناسي عند الجميع من جهة العذر وقد اجاز رسول الله صلاته على ما كان عليه من تفريطه #

 وقد روي في حديث أبي قتادة هذا ان رسول الله قال وإذا كان الغد فليصلها لميقاتها مسلم رقم 681 #

وهذا ابعد وأوضح في اداء المفرط للصلاة عند الذكر وبعد الذكر وحديث أبي قتادة هذا صحيح الأسناد إلا ان هذا المعنى قد عارضه حديث عمران بن الحصين في نوم رسول الله في صلاة الصبح بسفره وفيه قالوا يا رسول الله ألا نصليها لميقاتها من الغد قال لا إن الله لا ينهاكم عن الربا ثم يقبله منكم مسند أحمد 4/441 # وروى من حديث أبي هريرة عن النبي مثله وقد ذكرنا الأسانيد بذلك كله في التمهيد #

وقد روى عبدالرحمن بن علقمة الثقفي وهو مذكور في الصحابة قال قدم وفد ثقيف على رسول الله فجعلوا يسألونه فلم يصل يومئذ الظهر إلا مع العصر #

وأقل ما في هذا أنه اخرها عن وقتها الذي كان يصليها فيه لشغل اشتغل به #

وعبد الرحمن بن علقمة من ثقات التابعين وكبارهم #

وقد أجمع العلماء على ان من ترك الصلاة عامدا حتى يخرج وقتها عاص لله وذكر بعضهم أنها كبيرة من الكبائر وأجمعوا على ان على العاصي ان يتوب من ذنبه بالندم عليه واعتقاد ترك العود إليه قال الله تعالى ( ^ وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون ) 24 سورة

النور / الآية 31 ومن لزمه حق الله أو لعباده لزمه الخروج منه وقد شبه رسول الله حق الله عز وجل بحقوق الآدميين وقال دين الله أحق أن يقضي البخاري رقم 1953 مسلم رقم 1148 #

والعجب من هذا الظاهري في نقضه أصله بجهله وحبه لشذوذه وأصل أصحابه فيما وجب من الفرائض بإجماع أنه لا يسقط إلا بإجماع مثله أو سنة ثابتة لا ينازع في قبولها والصلوات المكتوبات واجبات بإجماع ثم جاء من الاختلاف شذوذ خارج عن اقوال علماء الأمصار فاتبعه دون سنة رويت في ذلك واسقط به الفريضة المجمع على وجوبها ونقض اصله ونسي نفسه #

 ثم ذكر أن مذهب داود وأصحابه وجوب قضاء الصلاة إذا فوتها عمدا ثم قال فهذا قول داود وهو وجه أهل الظاهر # وما أرى هذا الظاهري إلا وقد خرج عن جماعة العلماء من السلف والخلف وخالف جميع فرق الفقهاء وشذ عنهم ولا يكون إماما في العلم من اخذ بالشاذ من العلم وقد أوهم في كتابه أن له سلفا من الصحابة والتابعين تجاهلا منه فذكر عن ابن مسعود ومسروق وعمر بن عبدالعزيز في قوله ( ^ أضاعوا الصلواة ) 19 سورة مريم / الآية 59 أن ذلك عن مواقيتها ولو تركوها لكانوا بتركها كفارا وهو لا يقول بتكفير تارك الصلاة عمدا إذا إذا أبى إقامتها ولا بقتله إذا كان مقرا بها فقد خالفهم فكيف يحتج بهم على انه معلوم أن من قضى الصلاة فقد تاب من تضييعها قال تعالى ( ^ وإني لغفار لمن تاب وءامن وعمل صلحا ثم اهتدى ) 20 سورة طه / الآية 82 ولا تصح لمضيع الصلاة توبة إلا بأدائها كما لا تصح التوبة من دين

الآدمي إلا بأدائه ومن قضى صلاة فرط فيها فقد تاب وعمل صالحا والله لا يضيع أجر من احسن عملا #

 وذكر عن سلمان أنه قال الصلاة مكيال فمن وفاه وفي له ومن طففه قد علمتم ما قاله الله في المطففين #

 وهذا لا حجة فيه لأن الظاهر من معناه أن المطفف قد يكون من لم يكمل صلاته بركوعها وسجودها وحدودها وإن صلاها في وقتها #

وذكر عن ابن عمر أنه قال لا صلاة لمن لم يصل الصلاة لوقتها #

وكذا نقول لا صلاة له كاملة الأجزاء كما جاء لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد سنن البيهقي 3/111 و 174 ولا إيمان لمن لا امانة له مسند أحمد 3/135 ومن قضى الصلاة فقد صلاها وتاب من نسي عمله بتركها وكل ما ذكر في هذا المعنى فغير صحيح ولا له في شيء منه حجة لأن ظاهره خلاف ما تأوله
 فصل في حجج المانعين من صحة قضاء الصلاة المتروكة عمدا
 # قال المانعون من صحتها بعد الوقت وقبولها لقد ارعدتم وابرقتم ولم تنصفونا في حكاية قولنا على وجهه ولافي نقلنا مذاهب السلف ولا في حججنا فإنا لم نقل قط ولا احد من اهل الاسلام إنها سقطت من ذمته بخروج وقتها وإنها لم تبق واجبة عليه حتى تجلبوا علينا بما أجلبتم وتشنعوا علينا بما شنعتم بل قولنا وقول من حكينا قوله من الصحابة والتابعين اشد على مؤخر الصلاة ومفوتها من قولكم فإنه قد تحتمت


عقوبته وباء بإثم لا سبيل له إلى استدراكه إلا بتوبة يحدثها وعمل يستأنفه #

 وقد ذكر من الادلة ما لاسبيل لكم إلى رده فإن وجدتم السبيل إلىالرد فأهلا بالعلم أين كان ومع من كان فليس القصد إلا طاعة الله وطاعة رسوله ومعرفة ما جاء به ونحن نبين ما في كلامكم من مقبول ومردود #

 فأما قولكم إن سرور ابن عباس بتلك الصلاة التي صلاها بعد طلوع الشمس لأنه كان سببا إلى ان اعلم رسول الله أصحابه المبلغين عنه إلى سائر أمته بأن مراد الله من عباده في الصلاة وإن كانت مؤقتة ان من لم يصلها في وقتها يقضيها ابدا ناسيا كان لها او نائما او متعمدا لتركها فهذا ظن محض منكم أن ابن عباس اراده ومعلوم ان كلامه لا يدل على ذلك بوجه من وجوه الدلالة ولا هو يشعر به ولعل ابن عباس إنما سر بها ذلك السرور العظيم لكونه صلاها مع رسول الله وأصحابه وفعل مثل ما فعلوا وحصل له سهمان من الاجر كما حصل للصحابة وخص تلك الصلاة بذلك تنبيها للسامع أنها مع كونها ضحى قد فعلت بعد طلوع الشمس فلا يظن أنها ناقصة وأنها لأاجر فيها فما يسرني بها الدنيا وما فيها # وليس ما فهمتموه عن ابن عباس اولى من هذا الفهم ولعله أراد أن ذلك من رحمة الله بالأمة ليقتدي به من نام عن الصلاة ولم يفرط بتأخيرها فمن اين يدل كلامه هذا على أن سروره بتلك الصلاة لأنها تدل على ان من لم يصل وأخر صلاة الليل إلى النهار عمدا وصلاة النهار إلى الليل أنها تصح منه وتقبل وتبرأ بها ذمته وإن فهم هذا من كلام ابن عباس لمن اعجب العجب فأخبرونا كيف وقع لكم هذا الفهم من كلامه وبأي طريق فهمتموه


 فصل في الكلام عن النسيان وأنواعه
 # وأما قولكم إن النسيان في لغة العرب هو الترك كقوله ( ^ نسوا الله فنسيهم ) 9 سورة التوبة / الآية 67 الخ فنعم لعمر الله إن النسيان في القرآن على وجهين نسيان ترك ونسيان سهو ولكن حمل الحديث على نسيان الترك عمدا باطل لاربعة اوجه # أحدها أنه قال فليصلها إذا ذكرها الموطأ 1/13 وهذا صريح في ان النسيان في الحديث نسيان سهولا نسيان عمد وإلا كان قوله إذا ذكرها كلاما لا فائدة فيه فالنسيان إذا قوبل بالذكر لم يكن إلا نسيان سهو كقوله ( ^ واذكر ربك إذا نسيت ) 18 سورة الكهف / الآية 24 وقوله إذا نسيت فذكروني البخاري رقم 1933 مسلم رقم 1155 # الثاني أنه قال فكفارتها ان يصليها إذا ذكرها ومعلوم أن من تركها عمدا لا يكفر عنه فعلها بعد الوقت إثم التفويت هذا مما لاخلاف فيه بين الامة ولا يجوز نسبته إلى رسول الله إذ يبقى معنى الحديث من ترك الصلاة عمدا حتى خرج وقتها فكفارة إثمه صلاتها بعد الوقت وشناعة هذا القول أعظم من شناعتكم علينا القول بأنها لا تنفعه ولا تقبل منه فأين هذا من قولكم # الثالث أنه قابل الناسي في الحديث بالنائم وهذه المقابلة تقتضي أنه الساهي كما يقول جملة أهل الشرع النائم والناسي غير مؤاخذين # الرابع أن الناسي في كلام الشارع إذا علق به الاحكام لم يكن مراده


إلا الساهي وهذا مطرد في جميع كلامه كقوله من اكل او شرب ناسيا فليتم صومه فإنما أطعمه الله مسلم رقم 572
 فصل في الكلام عن متعمد تأخير الصلاة والناسي
 # وأما قولكم وسوى الله سبحانه في حكمهما اي حكم العامد والناسي على لسان رسوله بين حكم الصلاة المؤقتة والصيام المؤقت في شهر رمضان بأن كل واحد منهما يقضى بعد خروج وقته فنص علىالنائم والساهي في الصلاة كما وصفنا ونص على المريض والمسافر في الصوم واجتمعت الأمة ونقلت الكافة فيمن لم يصم شهر رمضان عامدا وهو مؤمن بفرضه وإنم تركه اشرا وبطرا ثم تاب منه أن عليه قضاءه إلى آخره فجوابه من وجوه # أحدها قولكم إن الله سبحانه وتعالى سوى بينهما اي بين العامد والناسي فكلام باطل على إطلاقه فما سوى الله سبحانه بين عامد وناس أصلا وكلامنا في هذا العامد العاصي الآثم المفرط غاية التفريط فأين سوى الله سبحانه بين حكمهما في صلاة أو صيام # وقولكم فنص على النائم والناسي في الصلاة كما وصفنا قد تقدم ان النسيان المذكور في الصلاة لا يصح حمله على العمد بوجه وأن الذي نص عليه في الحديث هو نسيان السهو الذي هو نظير النوم فلا تعرض فيه للعامد # وأما نصه على المريض والمسافر في الصوم فهما وإن أفطرا عامدين


فلا يمكن أخذ حكم تارك الصلاة عمدا من حمكها وما سوى الله ولا رسوله بين تارك الصلاة عمدا او اشرا حتى يخرج وقتها وبين تارك الصوم لمرض او سفر حتى يؤخذ حكم احدهما من الآخر فمؤخر الصوم في المرض والسفر كمؤخر الصلاة لنوم أو نسيان وهذان هما اللذان سوى الله ورسوله بين حكمهما نص الله على حكم المريض والمسافر في الصوم المعذورين ونص رسول الله على حكم النائم والناسي في الصلاة المعذورين فقد استوى حكمهما في الصوم والصلاة ولكن اين استوى حكم العامد المفرط الآثم والمريض والمسافر والنائم والناسي المعذورين يوضحه أن الفطر بالمرض قد يكون واجبا بحيث يحرم عليه الصوم والفطر في السفر إما واجب عند طائفة من السلف والخلف أو أنه افضل من الصوم عند غيرهم أو هما سواء أو الصوم أفضل منه لمن لا يشق عليه عند آخرين # وعلى كل تقدير فإلحاق تارك الصلاة والصوم عمدا وعدوانا به من أفسد الإلحاق وأبطل القياس وهذا مما لا خفاء به عند كل عالم # وقولكم إن الأمة اجتمعت والكافة نقلت أن من لم يصم شهر رمضان عامدا أشرا او بطرا ثم تاب منه فعليه قضاؤه فيقال لكم أوجدونا عشرة من اصحاب رسول الله فن دونهم صرح بذلك ولن تجدوا إليه سبيلا وقد انكر الأئمة كالإمام أحمد والشافعي وغيرهما دعوى هذه الإجماعات التي حاصلها عدم العلم بالخلاف لا العلم بعدم الخلاف فإن هذا مما لا سبيل إليه إلا فيما علم بالضرورة أن الرسول جاء به وأما ما قامت الأدلة الشرعية عليه فلا يجوز لأحد ان ينفي حكمه لعدم علمه بمن قال به فإن الدليل يجب اتباع مدلوله وعدم العلم بمن قال به لا يصح أن يكون معارضا بوجه ما فهذا طريق جميع الأئمة المقتدى بهم

# قال الأمام أحمد في رواية ابنه عبدالله من ادعى الإجماع فهو كاذب لعل الناس اختلفوا هذه دعوى بشر المريسي والأصم ولكن يقول لا نعلم للناس اختلافا إذا لم يبلغه # وقال في رواية المروزي كيف يجوز للرجل أن يقول أجمعوا إذا سمعتهم يقولون أجمعوا فاتهمهم لو قال إني لا اعلم مخالفا كان أسلم # وقال في رواية أبي طالب هذا كذب ما اعلمه أن الناس مجمعون ولكن يقول ما اعلم فيه اختلافا فهو احسن من قوله اجمع الناس # وقال في رواية ابي الحارث لا ينبغي لأحد أن يدعي الإجماع لعل الناس اختلفوا # وقال الشافعي في أثناء مناظرته لمحمد بن الحسن لايكون لأحد أن يقول أجمعوا حتى يعلم إجماعهم في البلدان ولا يقبل على اقاويل من نأت داره منهم ولا قربت إلا خبر الجماعة عن الجماعة فقال لي تضيق هذا جدا قلت له وهو مع ضيقه غير موجود # وقال في موضع آخر وقد بين ضعف دعوى الاجماع وطالب من يناظره بمطالبات عجز عنها فقال له المناظر فهل من إجماع قلت نعم الحمد لله كثيرا في كل الفرائض التي لا يسع جهلها وذلك الإجماع هو الذي إذا قلت اجمع الناس لم تجد احدا يقول لك ليس هذا بإجماع فهذه الطريق التي يصدق بها من ادعى الإجماع فيها # وقال بعد كلام طويل حكاه في مناظرته أو ما كفاك عيب الإجماع أنه لم يرو عن احد بعد رسول الله دعوى الإجماع إلا فيما لم يختلف

فيه احد إلى ان كان اهل زمانك هذا قال له المناظر فقد ادعاه بعضكم قلت افحمدت ما ادعى منه قال لا قلت فكيف صرت إلى ان تدخل فيما زعمت في اكثر ما عبت الاستدلال من طريق عن الأجماع وهو ترك ادعاء الإجماع فلا تحسن النظر لنفسك إذاقلت هذا إجماع فتجد حولك من يقول لك معاذ الله أن يكون هذا إجماعا # وقال الشافعي في رسالته ما لا يعلم فيه خلاف فليس إجماعا فهذا كلام أئمة اهل العلم في دعوى الإجماع كما ترى # فلنرجع إلى المقصود فنقول من قال من أصحاب رسول الله إن من ترك الصلاة عمدا لغير عذر حتى خرج وقتها أنها تنفعه بعد الوقت وتقبل وتبرأ ذمته فالله يعلم أنا لم نظفر على صاحب واحد منهم قال ذلك وقد نقلنا عن الصحابة والتابعين ما تقدم حكايته # وقد صرح الحسن بما قلناه فقال محمد بن نصر المروزي في كتابه في الصلاة رقم 1078 حدثنا إسحاق حدثنا النضر عن الاشعت عن الحسن قال إذا ترك الرجل صلاة واحدة متعمدا فإنه لا يقضيها # قال محمد وقول الحسن هذا يحتمل معنيين # أحدهما انه كان يكفره بترك الصلاة متعمدا فلذلك لم يرد عليه القضاء لأن الكافر لا يؤمر بقضاء ما ترك من الفرائض في كفره # والثاني أنه لم يكفره بتركها وأنه ذهب إلى أن الله عز وجل إنما فرض ان يأتي بالصلاة في وقت معلوم فإذا تركها حتى ذهب وقتها فقد لزمته المعصية لتركه الفرض في الوقت المأمور بإتيانه فيه فإذا اتى به بعد ذلك فإنما أتى به في وقت لم يؤمر بإتيانه فيه فلا ينفعه أن يأتي بغير المأمور

به عن المأمور به وهذا قول غير مستنكر في النظر لولا أن العلماء قد أجمعت على خلافه # قال ومن ذهب إلى هذا قال في الناسي للصلاة حتى يذهب وقتها وفي النائم ايضا لو لم يأت الخبر عن النبي أنه قال من نام عن صلاة او نسيها فليصلها إذا استيقظ راجع البخاري رقم 597 مسلم رقم 684 وذكر أنه نام عن صلاة الغداة فقضاها بعد ذهاب الوقت لما وجب عليه في النظر قضاؤها أيضا فلما جاء الخبر عن النبي بذلك وجب علي قضاؤها وبطل حظ النظر # فقد نقل محمد الخلاف صريحا وظن أن الأمة أجمعت على خلافه وهذا يحتمل م6عنيين # أحدهما أنه يرى أن الإجماع ينعقد بعد الخلاف # والثاني أنه لايرى خلاف الواحد قادحا في الإجماع # وفي المسألتين نزاع معروف # وأما قوله إن القياس يقتضي ان لا يقتضي النائم والناسي لولا الخبر فليس كما زعمتم لأن وقت النائم والناسي هو وقت ذكره وانتباهه لا وقت له غير ذلك كما تقدم والله أعلم # وأما قولكم إن الكافة نقلت والأمة اجمعت ان من لم يصم شهر رمضان اشرا وبطرا ان عليه قضاءه فأين النقل بذلك إذا جاء عن أصحاب رسول الله وقد روى عنه اهل السنن ابو داود رقم 2396 الترمذي رقم 723 ابن ماجه رقم 1672 والامام أحمد في مسنده 2/386 من حديث ابي هريرة من افطر يوما من رمضان من غير عذر

لم يقضه عنه صيام الدهر وإن صامه فهذه الرواية المعروفة فأين الرواية عنه او عن أصحابه من افطر رمضان او بعضعه اجزأ عنه ان يصوم مثله # وأما قولكم إن الصلاة والصيام دين ثابت يؤدي ابدا وإن خرج الوقت المؤجل لما لقول رسول الله دين الله احق ان يقضي البخاري رقم 1953 مسلم رقم 1148 # فنقول هذا الدليل مبني على مقدمتين # إحداهما إن الصلاة والصيام دين ثابت في ذمة من تركهما عمدا والمقدمة الثانية أن هذا الدين قابل للأداء فيجب أداؤه # فأما المقدمة الأولى فلا نزاع فيها ولانعلم أن أحدا من اهل العلم قال بسقوطها من ذمته بالتأخير ولعلكم توهمتم علينا أنا نقلو بذلك وأخذتم في الشناعة علينا وفي التشغيب ونحن لم نقل ذلك ولا أحد من أهل الإسلام # وأما المقدمة الثانية ففيها وقع النزاع وأنتم لم تقيموا عليها دليلا فادعاؤكم لها هو دعوى محل النزاع بعينه جعلتموه مقدمة من مقدمات الدليل وأثبتم الحكم بنفسه فمنازعوكم يقولون لم يبق للمكلف طريق إلى استدراك هذا الفائت وإن الله تعالى لا يقبل أداء هذا الحق إلافي وقته وعلى صفته التي شرعه عليها وقد أقاموا على ذلك من الأدلة ما قد سمعتم فما الدليل على أن هذا الحق قابل للأداء في غير وقته المحدود له شرعا وأنه يكون عبادة بعد خروج وقته # وأما قوله ( ^ اقضوا الله فالله أحق بالقضاء البخاري رقم

وقوله ( ^ دين الله أحق أن يقضى ) البخاري رقم 1953 مسلم رقم 1148 فهذا إنما قاله في حق المعذور لا المفرط # ونحن نقول في مثل هذا الدين يقبل القضاء وأيضا فهذا إنما قاله رسول الله في النذر المطلق الذي ليس له وقت محدود الطرفين ففي الصحيحين من حديث ابن عباس ان امرأة قالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها قال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدي ذلك عنها قالت نعم قال فصومي عن أمك البخاري رقم 1953 مسلم رقم 1148 # وفي رواية أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن نجاها الله أن تصوم شهرا فأنجاها الله سبحانه وتعالى فلم تصم حتى ماتت فجاءت قرابة لها إلى رسول الله فذكرت ذلك فقال صومي عنها رواه أهل السنن أ و داود رقم 3308 النسائي رقم 3816 # وكذلك جاء منه الأمر بقضاء هذا الدين في الحج الذي لا يفوت وقته إلا بنفاد العمر ففي المسند 4/5 والسنن النسائي رقم 3635 من حديث عبدالله بن الزبير قال جاء رجل من خثعم إلى رسول الله فقال إن ابي أدركه الإسلام وهو شيخ لا يستطيع ركوب رحل والحج مكتوب عليه أفأحج عنه قال أنت اكبر ولده قال نعم قال أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه أكان ذلك يجزيء عنه قال نعم قال فحج عنه # وعن ابن عباس ان امرأة من جهينة جاءت إلى النبي فقالت إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها قال نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته اقضوا الله فالله أحق

بالوفاء متفق على صحته البخاري رقم 6699 وراجع مسلم رقم 1334 و 1335 # وعن ابن عباس أيضا قال أتى النبي رجل فقال إن أبي مات وعليه حجة الإسلام افأحج عنه قال أرأيت لو ان اباك ترك دينا عليه فقضيته أكان يجزيء عنه قال نعم قال فحج عن ابيك رواه الدار قطني 2/260 # ونحن نقول في مثل هذا الدين القابل للأداء دين الله أحق أن يقضى فالقضاء المذكور في هذه الأحاديث ليس بقضاء عبادة مؤقتة محدودة الطرفين وقد جاهر بمعصيته الله سبحانه وتعالى بتفويتها بطرا وعدوانا فهذا الدين مستحقه لا يعتد به ولا يقبله إلا على صفته التي شرعه عليها ولهذا لو قضاه على غير تلك الصفة لم تنفعه
 فصل في الفرق بالقياس بين النائم والناسي وبين المتعمد
 # قولكم وإذا كان النائم والناسي للصلاة وهما معذوران يقضيانها بعد خروج وقتها كان المتعمد لتركها اولى # فجوابه من وجوه # أحدها المعارضة بما هو اصح منه او مثله وهو ان يقال لا يلزم من صحة القضاء بعد الوقت من المعذور المطيع لله ورسوله الذي لم يكن منه تفريط في فعل ما أمر به وقبوله منه صحته وقبوله منه متعد لحدود الله


مضيع لأمره تارك لحقه عمدا وعدوانا فقياس هذا على هذا في صحه العبادة وقبولها منه وبراء الذمة بها من افسد القياس # الوجه الثاني إن المعذور بنوم أو نسيان لم يصل الصلاة في غير وقتها بل في نفس وقتها الذي وقته الله له فإن الوقت في حق هذا حين يستيقظ ويذكر كما قال من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها رواه البيهقي السنن 2/219 والدارقطني 1/423 وقد تقدم # فالوقت وقتان وقت اختيار ووقت عذر فوقت المعذور بنوم او سهو هو وقت ذكره واستيقاظه فهذا لم يصل الصلاة إلا في وقتها فكيف يقاس عليه من صلاها في غير وقتها عمدا وعدوانا # الثالث إن الشريعة قد فرقت في مواردها ومصادرها بين العامد والناسي ويبن المعذور وغيره وهما مما لا خفاء به فإلحاق أحد النوعين بالآخر غير جائز # الرابع إنا لم نسقطها عن العامد المفرط ونأمر بها المعذور حتى يكون ما ذكرتم حجة علينا بل ألزمانا بها المفرط المتعدي على وجه لا سبيل له إلى استدراكها تغليظا عليه وجوزنا قضاءها للمعذور غير المفرط # وأما استدلالكم بقول من ادرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشمس فقد ادرك العصر البخاري رقم 579 مسلم رقم 608 فما أصحه من حديث وما أراه على مقتضى قولكم فإنكم تقولون هو مدرك العصر ولو لم يدرك من وقتها شيئا البتة بمعنى إنه مدرك لفعلها صحيحة منه مبرئة لذمته فلو كانت تصح بعد خروج وقتها وتقبل منه لم يتعلق من مبرئة لذمته فلو كانت تصح بعد خروج وقتها وتقبل منه لم يتعلق إدراكها بركعة ومعلوم أن النبي لم يرد أن من ادرك ركعة من العصر صحت صلاته بلا إثم بل هو آثم بتعمد ذلك اتفاقا فإنه امر أن يوقع

جميعها في وقتها فعلم أن هذا الإدراك لا يرفع الإثم بل هو مدرك آثم فلو كانت تصح بعد الغروب لم يكن فرق بين ان يدرك ركعة من الوقت أولا يدرك شيئا منه شيئا # فإن قلتم إذا أخرها إلى بعد الغروب كان أعظم اثرا # قيل لكم النبي لم يفرق بينإدراك الركعة وعدمها في كثرة الإثم وخفته وإنما فرق بينهما في الإدراك وعدمه ولا ريب أن المفوت لمجموعها في وقت أعظم من المفوت لأكثرها والمفوت لأكثرها فيه اعظم من المفوت لركعة منها فنحن نسألكم ونقول ما هذا الإدراك الحاصل بركعة أهذا إدراك يرفع الإثم فهذا لا يقوله4 أحد أو إدراك يقتضي الصحة فلا فرق فيه بين ان يفوتها بالكلية أو يفوتها إلا ركعة منها
 فصل في عدم صحة الاحتجاج بتأخير النبي للصلاة يوم الخندق
 # وأما احتجاجكم بتأخير النبي لها يوم الخندق من غير نوم ولا نسيان ثم قضاها فيقال يالله العجب لو اتينا نحن بمثل هذا لقامت قيامتكم واقمتم قيامتنا بالتشنيع علينا فكيف تحتجون على تفويت صاحبه عاص لله آثم متعد لحدود مستوجب لعقابه بتفويت صدر من اطوع الخلق لله وارضاهم له واتبعهم لأمره وهو مطيع لله في ذلك التأخير متبع مرضاته فيه وذلك التأخير منه صلوات الله وسلام عليه إما ان يكون نسيانا منه او يكون أخرها عمدا وعلى التقديرين فلا حجة لكم فيه


بوجه فإنه إن كان نسيانا فنحن وسائر الأمة نقول بموجبه وأن الناسي يصليها متى ذكرها وإن كان عامدا فهو تأخير لها من وقت إلى وقت أذن فيه كتأخير المسافر والمعذور الظهر إلى وقت العصر والمغرب إلى وقت العشاء # وقد اختلف الناس فيمن أدركته الصلاة وهو مشغول بقتال العدو على ثلاثة اقوال # أحدها أنه يصلي حال القتال على حسب حاله ولا يؤخر الصلاة قالوا والتأخير يوم الخندق منسوخ وهذا هو مذهب الإمام الشافعي والإمام مالك والإمام أحمد في المشهور عنه من مذهبه # الثاني أنها تؤخر كما أخر النبي يوم الخندق وهذا مذهب ابي حنيفة # والأولون يجيبون على هذا بأنه كان قبل أن تشرع صلاة الخوف فلما شرعت صلاة الخوف لم يؤخرها بعد ذلك في غزاة واحدة # والحنيفة تجيب عن ذلك بأن صلاة الخوف إنما شرعت على تلك الوجوه ما لم يلتحم القتال فإنهم يمكنهم أن يصلوا صلاة الخوف كما امر الله سبحانه بأن يقوموا صفين صفا يصلون وصفا يحرسون وأما حال الالتحام فلا يمكن ذلك فالتأخير وقع حال الاشتغال بالقتال وصلاة الخوف شرعت حال المواجهة قبل الاشتغال بالقتال وهذا له موضع وهذا في القول كما ترى # وقالت طائفة ثالثة يخير بين تقديمها والصلاة على حسب حاله وبين تأخيرها حتى يتمكن من فعلها وهذا مذهب جماعة من الشاميين وهو إحدى الروايتين عن الامام أحمد لأن الصحابة فعلوا هذا وهذا في قصة بني قريظة كما سنذكرها بعد هذا إن شاء الله تعالى

# وعلى الأقوال الثلاثة فلا حجة للعاصي المفرط المعتدي الذي قد باء بعقوبة الله وإثم التفويت في ذلك بوجه من الوجوه وبالله التوفيق
 فصل في الكلام على صلاة العصر في بني قريظة
 # وبهذا خرج الجواب عن استدلالكم بتأخير الصحابة العصر إلى بعد غروب الشمس عمدا حين قال النبي لا يصلين احد العصر إلا في بني قريظة البخاري رقم 946 مسلم رقم 1770 فأدركت طائفة الصلاة في الطريق فقالوا لم يرد منا تأخيرها فصلوها في الطريق وابت طائفة اخرى ان تصليها إلا في بني قريظة فصلوها بعد العشاء فما عنف رسول الله واحدة من الطائفتين فإن الذين اخروها كانوا مطيعين لرسول الله معتقدين وجوب ذلك التأخير وأن وقتها الذي امروا به حيث ادركهم في بني قريظة فكيف يقاس العاصي المتعدي لحدود الله على المطيع له الممتثل لامره فهذا من ابطل قياس في العالم وافسده وبالله التوفيق # وقد فضلت طائفة من العلماء الذين أخروها إلى بني قريظة على الذين صلوها في الطريق قالوا لأنهم امتثلوا أمر رسول الله على الحقيقة والآخرون تأولوا فصلوها في الطريق



 فصل في الفرق بين التأخير في الصلوات القابلة للجمع وغيرها
 # وأما استدراكم بأمر النبي أن تصلي نافلة مع الامراء الذين كانوا يضيعون الصلاة عن وقتها ويصلونها في غير الوقت فلا حجة فيه لأنهم لم يكونوا يؤخرون صلاة النهار إلى الليل ولا صلاة الليل إلى النهار بل كانوا يؤخرون صلاة الظهر إلى وقت العصر وربما كانوا يؤخرون العصر إلى وقت الأصفرار # ونحن نقول إنه متى أخر إحدى صلاتي الجمع إلى وقت الأخرى صلاها في وقت الثانية وإن كان غير معذور وكذلك إذا أخر العصر إلى الاصفرار بل إلى ان يبقى منها قدر ركعة فإنه يصليها بالنص وقد جمع النبي بالمدينة من غير خوف ولامطر أراد أن لا يحرج أمته مسلم رقم 705 الموطأ 1/144 فهذا التأخير لا يمنع صحة الصلاة # وأما قولكم قد اجاز رسول الله صلاة من اخر الظهر إلى وقت العصر مع تفريطه في خروج وقت الظهر # فجوابه إن الوقت مشترك بين الصلاتين في الجملة وقد جمع رسول الله بالمدينة من غير خوف ولا مرض وهذا لا ينازع فيه ولكن هل أجاز رسول الله صلاة الصبح في وقت الضحى من غير نوم لا نسيان # وأما قولكم وقد روي من حديث أبي قتادة أن رسول الله قال فيمن نام عن صلاة الصبح وإذا كان الغد فليصلها لميقاتها مسلم رقم


إن هذا أوضح في اداء المفرط للصلاة عند الذكر وبعد الذكر وهو حديث صحيح الإسناد فيا لله العجب أين في هذا الحديث ما يدل بوجه من وجوه الدلالة نصها أو ظاهرها أو إيمائها على ان العاصي المتعدي لحدود الله بتفويت الصلاة عن وقتها تصح منه بعد الوقت وتبرأ ذمته منها وهو اهل ان تقبل منه وكأنكم فهمتم من قوله فإذا كان الغد فليصلها لميقاتها امره بتأخيرها إلى الغد وهذا باطل قطعا لم يرده رسول الله والحديث صريح في إبطاله فإنه امره ان يصليها إذا استيقظ او ذكرها ثم روي في تمام الحديث هذه الزيادة وهي قوله فإذا كان من الغد فليصلها لميقاتها وقد اختلف الناس في صحة هذه الزيادة ومعناها فقال بعض الحفاظ هذه الزيادة وهم من عبدالله بن رباح الذي روى الحديث عن ابي قتادة او من احد الرواة وقد روي عن البخاري أنه قال لا يتابع في قوله فليصل إذا ذكرها لوقتها من الغد # وقد روى الإمام أحمد في مسنده 4/441 عن عمران بن حصين قال سرت مع رسول الله فلما كان من آخر الليل عرسنا فلم نستيقظ حتى الحقتنا الشمس فجعل الرجل يقوم دهشا إلى طهوره فأمرهم النبي أن يسكنوا ثم ارتحل فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس توضأ ثم أمر بلالا فأذن ثم صلى الركعتين قبل الفجر ثم اقام فصلينا فقالوا يا رسول الله ألا نعيدها في وقتها من الغد قال اينهاكم ربكم تبارك وتعالى عن الربا ويقبله منكم # قال الحافظ ابو عبدالله محمد بن عبدالواحد المقدسي وفي هذا دليل على ما قال البخاري لأن عمران بن الحصين كان حاضرا ولم يذكر ما قال عبدالله بن رباح عن أبي قتادة راجع المغني 2/348

# وعندي أنه لا تعارض بين الحديثين ولم يأمر رسول الله بإعادتها من الغد وإنما الذي أمر به فعل الثانية في وقتها وأن الوقت لم يسقط بالنوم والنسيان بل عاد إلى ما كان عليه والله اعلم # قوله وقد روى عبد الرحمن بن علقمة الثقفي قال قدم وفد ثقيف على رسول الله فجعلوا يسألونه فلم يصل يومئذ الظهر إلا مع العصر إلى آخره # وقد تقدم جواب هذا وأمثاله مرارا وأن هذا التأخير كان طاعة لله تعالى وقربه وغايته أنه جمع بين الصلاتين لشغل مهم من امور المسلمين فكيف يصح إلحاق تأخير المتعدي لحدود الله به ولقد ضعفت مسألة تنصر بمثل هذا # قوله وليس ترك الصلاة حتى يخرج وقتها عمدا مذكورا عند الجمهور في الكبائر # فيقال يا لله العجب وهل تقبل هذا المسألة نزاعا وهل ذلك إلا من أعظم الكبائر وقد جعل رسول الله تفويت صلاة العصر محبطا للعمل فأي كبيرة تقوى على إحباط العمل سوى تفويت الصلاة # وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر ولم يخالفه صحابي واحد في ذلك بل الآثار الثابتة الصحابة كلها توافق ذلك # هذا والجامع بين الصلاتين قد صلاهما في وقت إحداهما للعذر فماذا نقول فيمن صلى الصبح في وقت الضحى عمدا وعدوانا والعصر نصف الليل من غير عذر

# وقد صرح الصديق أن الله لا يقبل هذه الصلاة ولم يخالف الصديق صحابي واحد # وقد توعد الله سبحانه بالويل والغي لمن سها عن صلاته واضاعها وقد قال الصحابة وهم اعلم الامة بتفسير الآية إن ذلك تأخيرها عن وقتها كما تقدم حكايته # ويا لله العجب اي كبيرة اكبر من كبيرة تحبط العمل وتجعل الرجل بمنزلة من قد وتر اهله وماله وإذا لم يكن تأخير صلاة النهار إلى الليل وتأخير صلاة الليل إلى النهار من غير عذر من الكبائر لم يكن فطر شهر رمضان من غير عذر وصوم شوال بدله من الكبائر ونحن نقول بل ذلك أكبر من كل كبيرة بعد الشرك بالله ولأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك به خير له من ان يؤخر صلاة النهار إلى الليل وصلاة الليل إلى النهار عدوانا عمدا بلاعذر # وقد روى هشام بن عروة عن ابيه عن سليمان بن يسار عن المسور بن مخرمة أنه دخل مع ابن عباس على عمر حين طعن فقال ابن عباس يا أمير المؤمنين الصلاة فقال أجل أصلي إنه لا حظ في الإسلام لمن اضاع الصلاة سنن الدار قطني 2/52 وتعظيم قدر الصلاة رقم 925 # وقال اسماعيل بن علية عن ايوب عن محمد بن سيرين قال نبئت أن ابا بكر وعمر كانا يعلمان الناس الإسلام تعبد الله ولاتشرك به شيئا وتقيم الصلاة التي افترض الله بمواقيتها فإن في تفريطها الهلكة تعظيم قدر الصلاة رقم 932 # وقال محمد بن نصر المروزي وسمعت إسحاق يقول صح عن

رسول الله ان تارك الصلاة كافر وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر وذهاب الوقت ان يؤخر الظهر إلى غروب الشمس والمغرب إلى طلوع الفجر وإنما جعل آخر أوقات الصلاة بما ذكرنا لأن النبي جمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة وفي السفر فصلى إحداهما في وقت الأخرى فلما جعل النبي الأولى منهما وقتا للأخرى في حال والأخرى وقتا للأولى في حال صار وقتاهما وقتا واحدا في حال العذر كما امرت الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس أن تصلي الظهر والعصر وإذا طهرت آخر الليل أن تصلي المغرب والعشاء تعظيم قدر الصلاة رقم 990 # وإذا كان صلاة الذي يؤخر العصر حتى تصير الشمس بين قرني الشيطان صلاة المنافق بنص رسول الله مسلم رقم 622 فما يقول بأبي هو وأمي صلوات الله عليه وسلامه لمن يصليها بعد العشاء وقد قال تعالى ( ^ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ) سورة النساء / الآية 31 فإذا اجتنب الرجل كبائر المنهيات واستمر على صلاة الصبح في وقت الضحى والعصر بعد العشاء كان على قولكم مغفورا له غير آثم البتة وهذا لا يقول أحد # قوله والعجب من هذا الظاهري كيف نقض أصله فإنه يقول ما وجب بإجماع فإنه لا يسقط إلا بالإجماع

# فيقال غاية هذا أن منازعكم تناقض فلا يكون تناقضه مصححا لقولكم وإن اردتم بذلك الاستدلال بالاستصحاب وأن الصلاة كانت في ذمته بإجماع فلا تسقط إلا بإجماع وهو مفقود قيل لكم ومن ذا الذي قال بسقوطها من ذمته بالتأخير وأن ذمته قد برئت منها فمن قال بهذا فقوله أظهر بطلانا من ان نحتاج إلى دليل عليه # والذي يقول منازعوكم إنها قد استقرت في ذمته على وجه لا سبيل له إلى ادائها واستدراكها إلا بعود ذلك الوقت بعينة وهذا محال ثم نعارض هذا الإجماع بإجماع مثله أو اقوى منه فنقول أجمع المسلمون على انه عاص متعد مفرط بإضاعة الوقت فلا يرتفع هذا الاجماع إلا بإجماع مثله ولم يجمعوا أنه يرتفع عنه الإثم والعدوان بالفعل بعد الوقت بل لعل هذا لم يقله أحد # فهذا ما يتعلق بالحجاج من الجانبين وليس لنا غرض فيما وراء ذلك وقد بان من هو أسعد بالكتاب والسنة واقوال السلف في هذه المسالة والله المستعان
 فصل في الشبه بين قضاء الصلاة وقضاء الصيام
 # فإن قيل فقد أمر النبي المفطر متعمدا في نهار رمضان بالقضاء في موضعين أحدهما المجامع والثاني المستقيء # ففي السنن أبو داود رقم 2393 من حديث أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي قد جامع أهله في رمضان فذكر الحديث وقال فيه


فأتى فأتى بعذق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعا وفيه قال كله انت واهل بيتك وصم يوما واستغفر الله عز وجل وعند ابن ماجة رقم 1671 وصم يوما مكانه # وفي السنن أبو داود رقم 2380 الترمذي رقم 720 ابن ماجة رقم 1676 والمسند 2/498 من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقض # قيل الحديثان معلولان لا يثبتان # أما قصة المجامع في رمضان فقد رواها أصحاب الحديث ولم يذكر أحد منهم هذه الزيادة والذي ذكرها لا تقوم به الحجة فإنها من رواية عبدالجبار بن عمر الإيلي وقد ضعفه الأئمة قال يحيى بن معين ليس بشيء ولا يكتب حديثه وقال مرة ضعيف # وكذلك قال ابو زرعة والسعدي اي ابن سعد والنسائي # وقال البخاري ليس بالقوي عنده مناكير # وقال ابن عدي عامة ما يرويه يخالف فيه والضعف بين على رواياته # ورواه ائمة اصحاب ابن شهاب عنه كمالك وغيره فلم يذكروا قوله صم يوما مكانه # ورواه أبو مروان العثماني عن إبراهيم بن سعد عن الليث عن ابن شهاب عن حميد عن ابي هريرة أن النبي قال له في هذه القصة اقض يوما مكانه

# وكذا روي عن الدراوردي عن إبراهيم بن سعد عن الليث # قال البيهقي وإبراهيم عنده الحديث عن الزهري بلا هذه الكلمة # وقد رواه حجاج بن أرطاة عن إبراهيم بن علي كذا مر عن ابن المسيب وعن الزهري عن حميد عن ابي هريرة # ورواه حجاج عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده وقال فيه عمرو وأمره أن يقضي يوما مكانه # وقد رواه هشام بن سعد عن الزهري عن ابي سلمة عن ابي هريرة وقال فيه وصم يوما مكانه واستغفر الله فخالف هشام الناس في روايته عن ابي سلمة والحديث لحميد عن ابي هريرة # ورواه ابن أبي اويس قال حدثني أبي ان ابن شهاب اخبره عن حميد ان أبا هريرة حدثه أن رسول الله أمر الذي يفطر في رمضان أن يصوم يوما مكانه ولكن هذا يخالف رواية أصحاب ابن شهاب فإنهم لم يذكروا هذه الزيادة # وقال الشافعي أخبرنا مالك عن عطاء الخراساني عن ابن المسيب قال اتى اعرابي إلى رسول الله فذكر الحديث وقال في أخره فصم يوما مكان ما أصبت وهذا مرسل ولكنه من مراسيل بن المسيب # ورواه داود ابن أبي هند عن عطاء فلم يذكر قوله وصم يوما مكانه # وعطاء كذبه ابن المسيب وقال ابن حبان كان رديء الحفظ يخطيء ولا يعلم فبطل الاحتجاج به

# وأما حديث المستقيء عمدا فهو حديث أبي هريرة عن النبي قال من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء فعليه القضاء فقال الترمذي رقم 720 هذا حديث حسن غريب وقال قال محمد يعني البخاري لا اراه محفوظا # وقال أبو داود رقم 2380 سمعت أحمد ابن حنبل يقول ليس من ذا شيء # وقال الترمذي في كتاب العلل # حدثنا علي بن حجر حدثنا عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن ابي هريرة أن النبي قال من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض # قال الترمذي سألت أبا عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن ابي هريرة قال ما أراه محفوظا # قال وقد روى يحيى ابن أبي كثير عن عمر بن الحكم أن ابا هريرة كان لا يرى القيء يفطر الصائم # وبتقدير صحة الحديث فلا حجة فيه إذ المراد به المعذور الذي اعتقد أنه يجوز له الاستقياء او المريض الذي احتاج أن يستقيء فاستقاء فإن الاستقياء في العادة لا يكون وإلا فلا يقصد العاقل أن يستقيء من غير حاجة فيكون المستقيء متداويا بالاستقياء كما لو تداوى بشرب دواء وهذا يقبل منه القضاء او يؤمر به اتفاقا # وقد اختلف الفقهاء في المجامع في نهار رمضان إذا كفر هل يجب

أن يقضي يوما مكان الذي أفطره على ثلاثة اقوال وهي الشافعي أحدها يجب والثاني لا يجب والثالث إن كفر بالعتق أو الإطعام وجب عليه الصيام وإن كفر بالصوم لم يجب عليه قضاء ذلك اليوم
 فصل في حكم صلاة الجماعة
 # وأما المسألة السادسة وهي هل تصح صلاة من صلى وحده وهو يقدر على الصلاة جماعة أم لا # فهذه المسألة مبينة على اصلين احدهما أن صلاة الجماعة فرض ام سنة # وإذا قلنا هي فرض فهل هي شرط لصحة الصلاة ام تصح بدونها مع عصيان تاركها # فهاتان مسالتان # أما المسألة الأولى فاختلف الفقهاء فيها فقال بوجوبها عطاء ابن أبي رباح والحسن البصري وابو عمر الأوزاعي وأبو ثور والإمام أحمد في ظاهر مذهبه ونص عليه الشافعي في مختصر المزني 1/109 فقال وأما الجماعة فلا ارخص في تركها إلا من عذر # وقال ابن المنذر في كتاب الاوسط ذكر حضور الجماعة على العميان وإن بعدت منازلهم عن المسجد ويدل على ذلك أن شهود الجماعة فرض لا ندب


# ثم ذكر حديث ابن ام مكتوم أنه قال يا رسول الله إن بيني وبين المسجد نخلا وشجرا فهل يسعني أن اصلي في بيتي قال تسمع الإقامة قال نعم قال فأتها المسند 3/423 ابو داود رقم 552 و 553 وابن ماجة رقم 792 # قال ابن المنذر ذكر تخويف النفاق على تارك شهود العشاء والصبح في جماعة # ثم قال في أثناء الباب فدلت الأخبار التي ذكرت على وجوب فرض الجماعة على من لا عذر له فمما دل عليه قوله لابن ام مكتوم وهو ضرير لا اجد لك رخصة أبو داود رقم 552 فإذا كان الأعمى لا رخصة له فالبصير أولى أن لا تكون له رخصة # قال وفي اهتمامه بأن يحرق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم راجع البخاري رقم 644 مسلم رقم 651 أبين البيان على وجوب فرض الجماعة إذ غير جائز أن يتهدد رسول الله من تخلف عن ندب وعما ليس بفرض مسلم رقم 655 # قال ويؤيده حديث أبي هريرة أن رجلا خرج من المسجد بعدما أذن المؤذن فقال أما هذا فقد عصى أبا القاسم # ولو كان المرء مخيرا في ترك الجماعة وإتيانها لم يجز أن يعصي من تخلف عما لا يجب عليه أن يحضره وإنما لما امر الله جل ذكره بالجماعة في حال الخوف دل على ان ذلك في حال الأمن اوجب # والاخبار المذكورة في ابواب الرخصة في التخلف عن الجماعة لاصحاب الاعذار تدل على فرض الجماعة على من لا عذر له ولو كان

حال العذر وغير حال العذر سواء لم يكن للترخيص في التخلف عنها في ابواب العذر معنى # ودل على تأكيد فرض الجماعة قوله من يسمع النداء فلم يجب فلا صلاة له ابو داود رقم 551 وابن ماجة رقم 793 ثم ساق الحديث في ذلك ثم قال وقال الشافعي ذكر الله الاذان بالصلاة فقال ( ^ وإذا ناديتم إلى الصلواة ) 5 سورة المائدة / الآية 58 وقال تعالى ( ^ إذا نودي للصلواة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) 62 سورة الجمعة / الآية 9 وسن رسول الله الأذان للصلوات المكتوبات فأشبه ما وصفت أن لا يحل أن تصلي كل مكتوبة إلا في جماعة حتى لا يخلو جماعة مقيمون أو مسافرون من ان يصلي بهم صلاة جماعة فلا ارخص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذر وإن تخلف أحد فصلاها منفردا لم تكن عليه إعادتها صلاها قبل الإمام أو بعده إلا صلاة الجمعة فإن من صلاها ظهرا قبل صلاة الإمام كان عليه إعادتها لأن اتيانها فرض هذا كله لفظ ابن المنذر # وقالت الحنفية والمالكية هي سنة مؤكدة ولكنهم يؤثمون تارك السنن المؤكدة ويصححون الصلاة بدونه والخلاف بينهم وبين من قال أنها واجبة لفظي # وكذلك صرح بعضهم بالوجوب # قال الموجبون قال الله تعالى ( ^ وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلواة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك ) 4 سورة النساء / الآية 102 ووجه الاستدلال بالآية من وجوه

# أحدها أمره سبحانه لهم بالصلاة في الجماعة ثم أعاد هذا الأمر سبحانه مرة ثانية في حق الطائفة الثانية بقول ( ^ ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك ) 4 سورة النساء / الآية 102 وفي هذت دليل على أن الجماعة فرض على الأعيان إذ لم يسقطها سبحانه عن الطائفة الثانية بفعل الأولى ولو كانت الجماعة سنة لكان اولى الاعذار بسقوطها عذر الخوف ولو كانت فرض كفاية لسقطت بفعل الطائفة الأولى ففي الآية دليل على وجوبها على الاعيان فهذه على ثلاثة اوجه امره بها اولا ثم امره بها ثانيا وأنه لم يرخص لهم في تركها حال الخوف # الدليل الثاني قوله تعالى ( ^ يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة ابصرهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سلمون ) 68 سورة القلم / الآيتان 42 و 43 ووجه الاستدلال بها انه سبحانه عاقبهم يوم القيامة بأن حال بينهم وبين السجود لما دعاهم إلى السجود في الدنيا فأبوا أن يجيبوا الداعي # إذا ثبت هذا فإجابة الداعي هي إتيان المسجد بحضور الجماعة لا فعلها في بيته وحده فهكذا فسر النبي الإجابة فروى مسلم في صحيحه رقم 653 عن ابي هريرة قال اتى النبي رجل اعمى فقال يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله أن يرخص له فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء قال نعم قال فأجب فلم يجعل مجيبا له بصلاته في بيته إذا سمع النداء فدل على أن الإجابة المأمور بها هي إتيان المسجد للجماعة # ويدل عليه حديث ابن ام مكتوم قال يا رسول الله إن المدينة كثيرة الهوام والسباع فقال رسول الله تسمع حي على الصلاة حي على

الفلاح قال نعم قال فحيهلا رواه ابو داود رقم 553 والإمام أحمد 3/423 # وحيهلا اسم فعل امر معناه اقبل واجب وهو صريح في ان إجابة هذاالامر بحضور الجماعة وان المتخلف عنها لم يجبه # وقد قال غير واحد من السلف في قوله تعالى ( ^ وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سلمون ) 68سورة القلم / الآية 43 قال هو قول المؤذن حي على الصلاة حي على الفلاح الدر المنثور 8/56 # فهذا الدليل مبني على مقدمتين إحداهما أن هذه الإجابة واجبة والثانية لا تحصل إلا بحضور الصلاة في الجماعة # وهذا هو الذي فهمه أعلم الأمة وأفقههم من الإجابة وهم الصحابة رضي الله عنهم فقال ابن المنذر في كتاب الأوسط روينا عن ابن مسعود وابي موسى انهما قالا من سمع النداء ثم لم يجب فإنه لا تجاوز صلاته رأسه إلا من عذر مجمع الزوائد 2/42 # قال وروي عن عائشة أنها قالت من سمع النداء فلم يجب لم يرد خيرا ولم يرد به سنن البيهقي 3/57 # وعن ابي هريرة انه قال ان تمتليء أذنا ابن آدم رصاصا مذابا خير له من ان يسمع المنادي ثم لا يجيبه # فهذا وغيره يدل أن الإجابة عند الصحابة هي حضور الجماعة وأن المتخلف عنها غير مجيب فيكون عاصيا # الدليل الثالث قوله تعالى ( ^ وأقيموا الصلواة وءاتوا الزكوة واركعوا مع الركعين ) 2 سورة البقرة / الآية 43 ووجه الاستدلال بالآية أنه

سبحانه امرهم بالركوع وهو الصلاة وعبر عنها بالركوع لأنه من اركانها والصلاة يعبر عنها بأركانها وواجباتها كما سماها الله سجودا وقرآنا وتسبيحا فلا بد لقوله ( ^ مع الركعين ) 2 سورة البقرة / الآية 43 من فائدة اخرى وليست إلا فعلها مع جماعة المصلين والمعية تفيد ذلك # إذا ثبت هذا الأمر المقيد بصفة أو حال لا يكون المأمور ممتثلا إلا بالإتيان به على تلك الصفة والحال # فإن قيل فهذا ينتقص بقوله تعالى ( ^ يمريم اقتني لربك واسجدي واركعي مع الركعين ) 3 سورة آل عمران / الآية 43 والمرأة لا يجب عليها حضور الجماعة قيل الآية لم تدل على تناول الأمر بذلك لكل امرأة بل مريم بخصوصها امرت بذلك بخلاف قوله ( ^ وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكوة واركعوا مع الراكعين ) 2 سورة البقرة / الآية 43 ومريم كانت لها خاصة لم تكن لغيرها من النساء فإن امها نذرتها ان تكون محررة لله ولعبادته ولزوم المسجد وكانت لا تفارقه فأمرت ان تركع مه اهله ولما اصطفاها الله وطهرها على نساء العالمين امرها من طاعته بأمر اختصها به على سائر النساء قال تعالى ( ^ وإذ قالت الملئكة يمريم إن الله اصطفك وطهرك واصطفك على نساء العلمين يمريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الركعين ) 3 سورة آل عمران / الآيتان 42 و 43 فإن قيل كونهم مأمورين أن يركعوا مع الراكعين لا يدل على وجوب الركوع معهم حال ركوعهم بل يدل على الإتيان بمثل ما فعلوا كقوله تعالى ( ^ يايها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصدقين ) 9 سورة التوبة / الآية 119 فالمعية تقضي المشاركة في الفعل ولاتستلزم المقارنة فيه قيل حقيقة المعية مصاحبة ما بعدها لما قبلها وهذه المصاحبة تفيد زائدا على المشاركة ولا سيما في الصلاة

فإنه إذا قيل صل مع الجماعة أو صليت مع الجماعة لا يفهم منه إلا اجتماعهم على الصلاة # الدليل الرابع ما ثبت في الصحيحين البخاري رقم 644 مسلم رقم 651 وهذا لفظ البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله قال والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم اخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا او مرماتين حسنتين لشهد العشاء # وعن ابي هريرة ان رسول الله قال إن اثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا يصلي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار متفق على صحته البخاري رقم 657 مسلم رقم 651 واللفظ لمسلم # وللإمام أحمد المسند 2/367 عنه لولا ما في البيوت من النساء والذرية أقمت صلاة العشاء وامرت فتياني يحرقون ما في البيوت بالنار # قال المسقطون لوجوبها هذا ما لا يدل على وجوب صلاة الجماعة لوجوه

# أحدها أن هذا الوعيد إنما جاء في المتخلفين عن الجمعة بدليل ما راه مسلم في صحيحه رقم 652 من حديث عبدالله بن مسعود أن النبي قال لقوم يتخلفون عن الجمعة لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم # الثاني أن هذا كان جائزا لما كانت العقوبات المالية جائزة ثم نسخ بما نسخ العقوبات المالية # الثالث أنه هم ولم يفعل ولو كان التحريق جائزا لكان واجبا فإن العقوبة لا تكون مستوية الطرفين بل إما واجبة أو محرمة فلما لم يفعل ذلك دل على عدم الجواز # قالوا والحديث يدل على سقوط فرض الجماعة لأنه هم بالتخلف عنها وهو لا يهم بترك واجب # قالوا وأيضا فالنبي إنما هم بإحراق بيوتهم عليهم لنفاقهم لا لتخلفهم عن حضور الجماعة # قال الموجبون ليس فيما ذكرتم ما يسقط دلالة الحديث # أما قولكم إن الوعيد إنما هو في حق تارك الجمعة فنعم هو في حق تارك الجمعة وتارك الجماعة فحديث أبي هريرة صريح في أنه في حق تارك الجماعة وذلك بين في اول الحديث وآخره وحديث ابن مسعود في ان ذلك لتارك الجمعة أيضا فلا تنافي بين الحديثين # وأما قولكم إنه منسوخ فما أصعب هذه الدعوى وأصعب إثباتها فأين شروط النسخ من وجود معارض مقاوم متأخر ولن تجدوا أنتم ولا أحد من اهل الأرض سبيلا إلى إثبات ذلك بمجرد الدعوى وقد اتخذ كثيرا من

الناس دعوى النسخ والإجماع سلما إلى ابطال كثير من السنن الثابتة عن رسول الله وهذا ليس بهين ولا تترك لرسول الله سنة صحيحة ابدا بدعوى الإجماع ولا دعوى النسخ إلى أن يوجد ناسخ صحيح صريح متأخر نقلته الأئمة وحفظته إذ محال على الأمة ان تضيع الناسخ الذي يلزمها حفظه وتحفظ المنسوخ الذي قد بطل العمل به ولم يبق من الدين وكثير من المولدة المتعصبين إذا رأوا حديثا يخالف مذهبهم يتلقونه بالتأويل وحمله على خلاف ظاهره ما وجدوا إليه سبيلا فإذا جاءهم من ذلك ما يغلبهم فزعوا إلى دعوى الاجماع على خلافه فإن رأوا من الخلاف مالا يمكنهم من دعوى الإجماع فزعوا إلى القول بأنه منسوخ وليست هذه طريق أئمة الإسلام بل ائمة الإسلام كلهم على خلاف هذا الطريق وأنهم إذا وجدوا لرسول الله سنة صحيحة صريحة لم يبطلوها بتأويل ولا دعوى إجماع ولانسخ والشافعي وأحمد من اعظم الناس إنكارا لذلك وبالله التوفيق # وإنما لم يفعل النبي ما هم به للمانع الذي اخبر أنه منعه منه وهو اشتمال البيوت على من لا تجب عليه الجماعة من النساء والذرية فلو احرقها عليهم لتعدت العقوبة إلى من لا يجب عليه وهذا لا يجوز كما إذا وجب الحد على حامل فإنه لا يقام عليها حتى تضع لئلا تسري العقوبة إلى الحمل ورسول الله لا يهم بما لا يجوز فعله ابدا # وقد أجاب عنه بعض اهل العلم بجواب آخر وهو ان القوم كانوا أخوف لرسول الله م8ن ان يسمعوه يقول هذه المقالة ثم يصرون على التخلف عن الجماعة # وأما قولكم إن الحديث يدل على عدم وجوب الجماعة لكونه هم بتركها فمما لا يلتفت إليه ولا يظن برسول الله أنه يهم بعقوبة طائفة من

المسلمين بالنار وإحراق بيوتهم لتركهم سنة لم يوجبها الله عليهم ولا رسوله وهو لم يخبر أنه كان يصلي وحده بل كان يصلي جماعة هو واعوانه الذين ذهبوا معه إلى تلك البيوت وايضا فلو صلاها وحده لكان هناك واجبان واجب الجماعة وواجب عقوبة العصاة وجهادهم فترك أدنى الواجبين لأعلاهما كحال يف صلاة الخوف # قولكم إنما هم بعقوبتهم على نفاقهم لا على تخلفهم عن الجماعة فهذا يستلزم محظرون # الغاء ما اعتبره رسول الله وعلق الحكم به من التخلف عن الجماعة # والثاني اعتبار ما الغاه فإنه لم يكن يعاقب المنافقين على نفاقهم بل كان يقبل منهم علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله # الدليل الخامس ما رواه مسلم في صحيحه رقم 653 أن رجلا اعمى قال يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المجسد فسأل رسول الله أن يرخص له فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء قال نعم قال فأجب وهذا الرجل هو ابن ام مكتوم واختلف في اسمه فقيل عبدالله وقيل عمرو # وفي مسند الإمام أحمد 3/423 وسنن أبي داود رقم 552 , 553 عن عمرو ابن ام مكتوم قال قلت يا رسول الله أنا ضرير شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني فهل لي رخصة ان اصلي في بيتي قال تسمع النداء قال نعم قال ما أجد لك رخصة # قا المسقطون لوجوبها هذا امر استحباب لا امر إيجاب وقوله لا أجد لك رخصة أي إن اردت فضيلة الجماعة

قالوا وهذا منسوخ # قال الموجبون الأمر مطلق للوجوب فكيف إذا صرح صاحب الشرع بأنه لا رخصة للعبد في التخلف عنه لضرير شاسع الدار لا يلائمه قائده فلو كان العبد مخيرا بين ان يصلي وحده أو جماعة لكان اولى الناس بهذا التخيير مثل الأعمى # ابو بكر ابن المنذر ذكر حضور الجماعة علىالعميان وإن بعدت منازلهم عن المسجد ويدل ذلك على أن شهود الجماعة فرض لاندب وإذا قال لابنأم مكتوم وهو ضرير لا أجد لك رخصة فالبصير أولى ان لا تكون له رخصة # السادس ما رواه أبو داود رقم 551 وأبو حاتم ابن حبان في صحيحه رقم 2064 عن ابن عباس قال قال رسول الله من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر قالوا وما العذر قال خوف او مرض لم تقبل منه الصلاة التي صلاها # قال المسقطون للوجوب هذا حديث فيه علتان # إحدهما أنه من رواية معارك العبدي وهو ضعيف عندهم # الثانية إنما يعرف عن ابن عباس موقوفا عليه # قال الموجبون قد قال قاسم بن اصبغ في كتابه حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ان النبي قال من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر وحسبك بهذا الإسناد صحة سنن ا لبيهقي 3/57

# ورواه ابن المنذر حدثنا علي بن عبدالعزيز حدثنا عمرو بن عوف حدثنا هشيم ن شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا راجع صحيح ابن حبان رقم 2064 # قالوا ومعارك العبدي قد روى عنه ابو اسحاق السبيعي على جلالته ولو قدر انه لم يصح رفعه فقد صح عن ابن عباس بلا شك وهو قول صاحب لم يخالفه صاحب # السابع ما رواه مسلم في صحيحه رقم 654 عن عبدالله بن مسعود قال من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادي بهن فإنهن من سنن الهدى وأن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو انكم تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف # وفي لفظ وقال إن رسول الله علمنا سنن الهدى وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه # فوجه الدلالة أنه جعل التخلف عن الجماعة من علامات المنافقين المعلوم نفاقهم وعلامات النفاق لا تكون بترك مستحب ولا بفعل مكروه ومن استقر علامات النفاق في السنة وجدها إما ترك فريضة أو فعل محرم وقد اكد هذا المعنى بقوله من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يناجي بهن وسمى تاركها المصلي في بيته متخلفا

تاركا للسنة التي هي طريقة رسول الله التي كان عليها وشريعته التي شرعها لأمته وليس المراد بها السنة التي من شاء فعلها ومن شاء تركها فإن تركها لا يكون ضلالا ولا من علامات النفاق كترك الضحى وقيام الليل وصوم الأثنين والخميس # الدليل الثامن ما رواه مسلم في صحيحه رقم 672 من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم احدهم وأحقهم بالإمامة اقرؤهم # ووجه الاستدلال به أنه امر بالجماعة وأمره على الوجوب # التاسع أنه أمر من صلى وحده خلف الصف أن يعيد الصلاة رواه الإمام أحمد مسند 3/228 وأهل السنن ابو داود رقم 682 الترمذي رقم 230 و 231 ابن ماجه رقم 1004 وابو حاتم ابن حبان في صحيحه رقم 1198 و 1199 وحسنه الترمذي # وعن علي بن شيبان قال خرجنا حتى قدمنا على النبي فبايعناه وصلينا خلفه قال ثم صلينا وراءه صلاة اخرى فقضى الصلاة فرأى رجلا فردا خلف الصف فوقف عيه حتى انصرف وقال استقبل صلاتك لا صلاة للذي خلف الصف رواه الإمام احمد المسند 4/23 وابن حبان رقم 2202 # وفي رواية الإمام أحمد صليت خلف النبي فرأى رجلا يصلي فردا خلف الصف فوقف نبي الله الرجل حتى انصرف فقال له استقبل صلاتك فلا صلاة لمنفرد خلف الصف قال ابن المنذر وثبت هذا الحديث أحمد وإسحاق

# فوجه الدلالة أنه ابطل صلاة المنفرد عن الصف وهو في جماعة وأمره بإعاة صلاته مع أنه لم ينفرد إلا في المكان خاصة فصلاة المنفرد عن الجماعة والمكان أولى بالبطلان يوضحه أن غاية هذا الفذ ان يكون منفردا ولو صحت صلاة المنفرد لما حكم رسول الله بنفيها فأمر من صلى كذلك أن يعيد صلاته # قال المسقطون للوجوب لايمكنكم الاستدلال بهذا الحديث إلا بعد إثبات بطلان صلاة الفذ خلف الصف وهذا قول شاذ مخالف لجمهور أهل العلم وقد دل على صحتها إجماع الناس على صحة صلاة المرأة وحدها خلف الصف وقد صلى رسول الله خلف جبريل فروى جابر بن عبدالله أن النبي أتاه جبريل يعلمه مواقيت الصلاة فتقدم جبريل ورسول الله خلفه والناس خلف رسول الله فصلى الظهر حين زالت الشمس وأتاه حين كان الظل مثل شخصه فصنع كما صنع فتقدم جبريل ورسول الله خلفه والناس خلف رسول الله رواه النسائي رقم 513 # فقد صلى رسول الله خلف جبريل مقتد يأبه # قالوا وقد احرم ابو بكرة فذا خلف الصف ثم مشى حتى دخل الصف ولم يأمره النبي بالإعادة البخاري رقم 783 # قالوا وقد احرم ابن عباس البخاري رقم 699 مسلم رقم 763 عن يساره فأخذ بيده فأداره عن يمينه فأدراه عن يمينه ولم يأمره النبي مسلم باستقبال الصلاة بل صحح إحرامه فذا فهذا في النفل وحديث جابر مسلم رقم 3010 في الفرض أنه قام عن يسار رسول الله فأخذ بيده فأقامه عن يمينه

# قال الموجبون العجب من معارضة الأحاديث الصحيحة الصريحة بمثل ذلك فإنه لا تعارض بين الأحاديث بوجه من الوجوه # وأما قولكم إن هذا قول شاذ فلعمر الله ليس شاذا ومعه رسول الله وسنته الصحيحة والصريحة ولو تركها من تركها فلا يكون ترك السنن لخفائها على من تركها أو لنوع تأيل مسوغا لتركها لغيره وكيف يقدم ترك التارك لهذه السنة عليها هذا وقد قال بهذه السنة جماعة من اكابر التابعين منهم سعيد بن جبير وطاوس وإبراهيم النخعي ومن دونهم كالحكم وحماد وابن ابي ليلى والحسن بن صالح ووكيع وقال بها الأوزاعي حكاه الطحاوي عنه وإسحاق بن راهويه والامام أحمد وابو بكر ابن المنذر ومحمد بن اسحاق بن خزيمة فأين الشذوذ وهؤلاء القائلون وهذه السنة # وأما معارضتكم بموقف المرأة فمن أفسد المعارضات لان ذلك هو موقف المرأة المشروع لها حتى لو وقفت في صف الرجال أفسدت صلاة من يليها عند ابي حنيفة واحد القولين في مذهب أحمد # فإن قيل لو وقفت فذة خلف صف النساء صحت صلاتها # قيل ليس كذلك بل إذا انفردت المرأة عن صف النساء لم تصح صلاتها كالرجل الفذ خلف الرجال ذكر ذلك القاضي ابو يعلى في تعليقه لعموم قوله لا صلاة لفرد خلف الصف مسند أحمد خرج من هذا ما إذا كانت وحدها خلف الرجال للحديث الصحيح بقي فيما عداه على هذا العموم # قصة صلاته صلوات الله وسلامه عليه خلف جبريل وحده والصحابة خلفه فقد أجيب عنها بأنها كانت في اول الامر حين علمه

مواقيت الصلاة وقصة امره الذي صلى خلف الصف فذا بالإعادة متأخرة بعد ذلك وهذا جواب صحيح # وعندي فيه جواب آخر وهو ان النبي كان هو إمام المسلمين فكان بين أيديهم وكان هو المؤتم بجبريل وحده وكان تقدم جبريل عليه السلام ابلغ في حصول التعليم من ان يكون إلى حانبه كما ان النبي صلى بهم على المنبر ليأتموا وليتعلموا صلاته وكان ذلك لأجل التعليم لم يدخب في نهيه الإمام به إذا ام الناس ان يقوم في مقتم ارفع منهم راجع ابو داود رقم 597 , 598 # وأما قصة ابي بكرة فليس فيها انه رفع رأسه من الركوع قبل دخوله في الصف وإنما يمكن التمسك بها لو ثبت ذلك ولا سبيل إليه # وقد اختلفت الرواية عن الإمام أحمد فيمن ركع دون الصف ثم مشى راكعا حتى دخل فيه بعد ان رفع الإمام رأسه من الركوع وعنه في ذلك ثلاث روايات تصح مطلقا وحجة هذه الرواية أن النبي لم يأمر ابا بكرة بالإعادة ولا استفصله هل ادركه قبل رفع رأسه من الركوع ام لا ولو اختلف الحال لاستفصله # سعيد بن منصور في سننه الموطأ 1/165 سنن البيهقي 2/90 و 3/106 عن زيد بن ثابت أنه كان يركع قبل أن يدخل في الصف ثم يمشي راكعا ويعتد بها وصل الصف ام لم يصل # والرواية الثانية انها لا تصح نص عليها في رواية إبراهيم بن الحارث ومحمد بن الحكم وفرق بينه وبين من ادرك الركوع في الصف لأنه لم

يدرك في الصف ما يدرك به الركعة فأشبه ما لو أدركه وقد سجد وهذه الرواية أصح عند أكثر أصحابه # والرواية الثالثة إن كان عالما بالنهي لم تصح صلاته وإلا صحت لقصة أي بكرة وقول النبي لا تعد والنهي يقتضي الفساد ولكن ترك في الجاهل به حيث لم يأمره بالإعادة وكان هذه حال أبي بكرة # وأما قصة ابن عباس وجابر في ترك أمرهها بابتداء الصلاة وقد أحرما فذين فهذه اولا ليس فيه أنهما قد دخلا في الصلاة وإنما فيه أنهما وقفا عن يساره فادارهما عند اول وقوفهما ولو قدر أنهما احرما كذك فمن أحرم فذا صح إحرامه بالصلاة ودخوله فيها وإنما الاعتبار بالركوع وحده وإلا فمن وقف معه آخر قبل الركوع صحت صلاته ولو اعتبرنا إحرام المأمومين جميعا لم ينعقد تحريم أحد حتى يتفق هو ومن إلى جانبه في ابتداء التكبير وانتهائه وهذا من أعظم الحرج والمشقة ولهذا لم يعتبره أحد أصلا والله أعلم # الدليل العاشر ما رواه أبو داود في سننه رقم 547 والإمام أحمد في مسنده 5/196 من حديث أبي الدرداء قال قال رسول الله ما ثلاثة في قرية لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية # فوجه الاستدلال منه أنه أخبر باستحواذ الشيطان عليهم بترك الجماعة التي شعارها الأذن وإقامة الصلاة ولو كانت الجماعة ندبا يخير الرجل بين فعلها وتركها لما استحوذ الشيطان على تاركها وتارك شعارها # الدليل الحادي عشر ما رواه في صحيحة رقم 655 من حديث أبي الشعثاء المحاربي قال كنا قعودا في المسجد فأذن المؤذن

فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصرة حتى خرج من المسجد فقال أبو هريرة أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم # وفي رواية سمعت أبا هريرة وقد رأى رجلا يجتاز في المسجد خارجا بعد الأذان فقال أما هذا فقد عصى أبا القاسم # ووجه الاستدلال به أنه جعله عاصيا لرسول الله بخروجه بعد الأذان لتركه الصلاة جماعة ومن يقول الجماعة ندب يقول لا يعصي الله ولا رسوله من خرج بعد الأذان وصلى وحده وقد احتج ابن المنذر في كتابه على وجوب الجماعة بهذا الحديث وقال لو كان المرء مخيرا في ترك الجماعة وإتيانها لم يجزأ أن يعصي من تخلف عما لا يجب عليه أن يحضره والذي يقول صلاة الجماعة ندب إن شاء فعلها وإن شاء تركها يجوز للرجل أن يخرج من المسجد وقد أخذ المؤذن في إقامة الصلاة بل يجوز له ان يجلس فلا يصلي مع الإمام والجماعة فإذا صلوا قام فصلى وحده ولو رأى رسول الله وأصحابه من يفعل هذا لأنكروا عليه غاية الإنكار بل قد أنكر ما هو دون هذا وهو على من لا يصلي مع الجماعة اكتفاء بصلاته في رحله وقال ما لك لا تصلي معنا الست برجل مسلم مسند أحمد 4/34 النسائي رقم 857 # وأمر بالصلاة في الجماعة لمن صلى ثم أتى مسجد الجماعة فقال إذا صليتما في رحاللكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة الترمذي رقم 219 النسائي رقم 858 مسند أحمد 4/160

# الدليل الثاني عشر إجماع الصحابة رضي الله عنهم ونحن نذكر نصوصهم # قد تقدم قول ابن مسعود ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق مسلم رقم 654 # وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا سليمان بن المغيرة عن ابي موسى الهلالي عن ابن مسعود قال من سمع المنادي فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له المحلى 4/195 # وقال أحمد أيضا حدثنا وكيع حدثنا مسعر عن ابي الحصين عن ابي بردة عن أبي موسى الاشعري قال من سمع المنادي فلم يجب بغير عذر فلا صلاة له المحلى 2\42 مستدرك الحاكم 1\ 246 # وقال أحمد حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي حيان التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد قيل ومن جار المسجد قال من سمع المنادي سنن البيهقي 3/57 و 174 # وقال سعيد بن منصور حدثنا هشيم أخبرنا منصور عن الحسن بن علي قال من سمع النداء فلم يأته لم تجاوز صلاته رأسه إلا من عذر # وقال عبدالرزاق 1/498 عن انس عن ابي إسحاق عن الحارث عن علي قال من سمع النداء من جيران المسجد وهو صحيح من غير عذر فلا صلاة له

# وقال وكيع عن عبد الرحمن بن حصين عن أبي نجيح المكي عن أبي هريرة قال أن تمتليء أذنابن آدم رصاصا مذابا خير له من ان يسمع المنادي ثم لا يجيبه المحلى 4/195 # وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن عدي بن ثابت عن عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها قالت من سمع المنادي فلم يجب عن غير عذر لم يجد خيرا ولم يرد به سنن البيهقي 3/57 # قال وكيع حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عابس قال من سمع النداء ثم لم يجب من غير عذر فلا صلاة له صحيح ابن حبان رقم 2064 # وقال عبدالرزاق 5/245 عن ليث عن مجاهد قال سأل رجل ابن عباس فقال رجل يصوم النهار ويقوم الليل لا يشهد جمعة ولا جماعة فقال ابن عباس هو في النار ثم جاء الغد فسأله عن ذلك فقال هو في النار قال واختلف إليه قريبا من شهر يسأله عن ذلك ويقول ابن عباس هو في النار # فهذه نصوص الصحابة كما تراها صحة وشهرة وانتشارا ولم يجيء عن صحابي واحد خلاف ذلك وكل من هذه الآثار دليل مستقل في المسألة لو كان وحدة فكيف إذا تعاضدت وتضافرت وبالله التوفيق


 فصل في هل الجماعة شرط في صحة الصلاة أم لا
 # وأما المسالة السابعة وهي هل الجماعة شرط في صحة الصلاة أم لا فاختلف الموجبون لها في ذلك على قولين # أحدهماأنها فرض يأثم تاركها وتبرأ ذمته بصلاته وحده وهذا قول أكثر المتأخرين من اصحاب أحمد ونص عليه أحمد في رواية حنبل فقال إجابة الداعي إلى الصلاة فرض ولو أن رجلا قال هي عندي سنة أصليها في بيتي مثل الوتر وغيره لكان خلاف الحديث وصلاته جائزة # وعنه رواية ثانية ذكرها أبو الحسن الزعفراني في كتاب الإقناع أنها شرط للصحة فلا تصح صلاة من صلى وحده وحكاه القاضي عن بعض الاصحاب واختاره أبو الوفاء ابن عقيل وأبو الحسن التميمي وهو قول داود وأصحابه قال ابن حزم المحلى 4/196 وهوقول جميع اصحابنا # ونحن نذكر حجج الفريقين # قال المشترطون كل دليل ذكرناه في الوجوب يدل على انها شرط فإنها إذا كانت واجبة فتركها المكلف لم يفعل ماأمر به فبقي في عهدة الأمر # قالوا ولو صحت الصلاة بدونها لما قال أصحاب رسول الله إنه لا صلاة له ولو صحت لما قال النبي من سمع المنادي ثم لم يجبه لم تقبل منه الصلاة التي صلى


# فلما وقف القبول عليها دل على اشتراطها كما أنه لما وقف القبول على الوضو من الحدث دل على اشتراطه # ونفي القبول إما ان يكون لفوات ركن او شرط ولا ينتقض هذا بنفي القبول عن صلاة العبد الآبق وشارب الخمر أربعين يوما لأن امتناع القبول هناك لارتكاب ارم محرم قارن الصلاة فأبطل أجرها # قالوا ولو صحت صلاة المنفرد لما قال ابن عباس إنه في النار # قالوا لو صحت صلاته أيضا لما كانت واجبة وأنه إنما يصح عبادة من ادى ما أمر به # وقد ذكرنا من أدلة الوجوب ما فيه كفاية # قال المصححون لها وهم ثلاثة أقسام # قسم يجعلها سنة إذا شاء فعلها وإن شاء تركها # وقسم يجعلها فرض كفاية إذا قام بها طائفة سقطت عمن عداهم # يقول هي فرض على الأعيان وتصح بدونها # وقد ثبت في الصحيحين البخاري رقم 645 مسلم رقم 650 من حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة # وفيهما البخاري رقم 647 مسلم رقم 649 عن ابي هريرة عن النبي صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وسوقه خمسة وعشرين ضعفا وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت لها بها درجة

وحطت عنه بها خطيئة فإذا صلى لم نزل الملائكة تصلي عليه ما دام في وصلاة ما لم يحدث اللهم صل عليه اللهم ارحمه ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة # قالوا فلو كانت صلاة المنفرد باطلة لم يفاضل بينها وبين صلاة الجماعة إذ لا مفاضلة بين الصحيح والباطل # قالوا وفي صحيح مسلم رقم 656 من حديث عثمان بن عفان أن النبي قال من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله # قالوا فشبه فعلها في جماعة بما ليس بواجب والحكم في المشبه كهو في المشبه به أو دونه في التأكيد # قالوا وقد روى يزيد بن الأسود قال شهدت مع النبي حجته فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف فلما قضى صلاته انحرف فإذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا قال علي بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما قال ما منعكما أن تصليا معنا فقالا يا رسول الله قد صلينا في رحالنا قال فلا تفعلوا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة رواه أهل السنن النسائي رقم 858 أبو داود رقم 575 الترمذي رقم 219 وعند أبي داود إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك مع الأمام فليصلها معه فإنها له نافلة # قالوا ولولا صحة الأولى لم تكن الثانية نافلة # وعن محجن بن الأدرع قال اتيت النبي فحضرت الصلاة فصلى يعني ولم أصل فقال لي ألا صليت قلت يا رسول الله قد

صليت في الرحل ثم أتيتك قال فإذا جئت فصل معهم واجعلها نافلة رواه الإمام أحمد المسند 4/34 # وفي الباب عن ابي هريرة وعن ابي ذر وعبادة وعبدالله بن عمر # ولفظ حديث ابن عمر عن سليمان مولى ميمونة قال اتيت على ابن عمر وهو بالبلاط والقوم يصلون في المسجد فقلت ما يمنعك أن تصلي مع الناس قال إني سمعت رسول الله يقول لا تصلوا صلاة في يوم مرتين رواه أبو داود رقم 579 والنسائي رقم 860
 فصل في ادلة الموجبين الجماعة لصحة الصلاة
 # قال الموجبون التفضيل لا يستلزم براءة الذمة من كل وجه سواء كان مطلقا أو مقيدا فإن التفضيل يحصل مع مناقضة المفضل للمفضل عليه من كل وجه كقوله تعالى ( ^ اصحب الجنة يومئذ خير مستقرا واحسن مقيلا ) 25 الفرقان / الآية 24 وقوله تعالى ( ^ قل أذلك خير أم جنة الخلد ) 25 سورة الفرقان / الآية 15 وهو كثير # فكون صلاة الفذ جزءا واحدا من سبعة وعشرين جزءا من صلاة الجميع لا يستلزم إسقاط فرض الجماعة ولزوم كونها ندبا بوجه من الوجوه وغايتها ان يتأدى الواجب بهما وبينهما من الفضل ما بينهما فإن الرجلين يكون مقامهما في الصف واحدا وبين صلاتهما في الفضل كما بين السماء والأرض # وفي السنن أبو داود رقم 796 عنه إن العبد ليصلي


الصلاة ولم يكتب له من الأجر إلا نصفها ثلثها ربعها خمسها حتى بلغ عشرها # فإذا عقل اثنان يصليان فرضهما صلاة احدهما افضل من صلاة الآخر بعشرة اجزاء وهما فرضان فهكذا يعقل مثله في صلاة الفذ وصلاة الجماعة # وأبلغ من هذا قوله ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها اتحاف السادة المتقين 3/112 و 4/123 فإذا لم يعقل في صلاته إلا في جزء واحد كان له من الاجر بقدر ذلك الجزء وإن برئتى ذمته من الصلاة فهكذا المصلي وحده له جزء واحد من الأجر وإن برئت الذمة # ومثل هذه الصلاة لا يسميها الشارع صحيحة وإن اصطلح الفقهاء على تسميتها صلاة فإن الصحيح المطلق ما تربت عليه اثره وحصل به مقصودة وهذه قد فات معظم أثرها ولم يحصل منها جل مقصودها فهي ابعد شيء من الصحة واحسن أحوالها أن ترفع عنه العقاب وإن حصلت شيئا من الثواب فهو جزء وما هذا إلا على قول من لا يجعلها شرطا للصحة وأما من جعلها شرطا لا تصح بدونه فجوابه إن التفضيل إنما هو بين صلاتين صحيحتين وصلاة الرجل وحده إنما تكون صحيحة للعذر وأما بدون العذر فلا صلاة له كما قال الصحابة رضي الله عنهم # وهؤلاء لو أجابوا بهذا لرد عليهم منازعوهم إن المعذور يكمل له أجره فأجابوا على ذلك بأنه لا يستحق بالفعل إلا جزءا واحدا وأما التكميل فليس من جهة الفعل بل بالنية إذا كان من عادته ان يصلي جماعة فمرض او حبس أو سافر وتعذرت عليه الجماعة والله يعلم أن من نيته أن لو

قدر على الجماعة لما تركها فهذا يكمل له أجره مع أن صلاة الجماعة افضل من صلاته من حيث العملين # قالوا ويتعين هذا ولا بد فإن النصوص قد صرحت بأنه لا صلاة لمن سمع النداء ثم صلى وحده فدل على ان من له جزء من سبعة وعشرين جزءا هو المعذور الذي له صلاة # قالوا والله تعالى يفضل القادر على العاجز وإن لم يؤاخذه فذلك فضله يؤتيه من يشاء # وفي صحيح البخاري رقم 1115 عن عمران بن حصين وكان مبسورا قال سألت رسول الله عن صلاة الرجل وهو قاعد فقل من صلى قائما فهو افضل ومن صلى قاعدا فله نصف اجر القائم ومن صلى نائما فله نصف اجر القاعد # فهذا إنما هو في المعذور وإلا فغير المعذور ليس له من الأجر شيء إذا كانت الصلاة فرضا وإن كانت نفلا لم يجز له التطوع على جنب فإنه لم يفعله رسول الله يوما من الدهر ولا أحد من الصحابة البتة مع شدة حرصهم على أنواع العبادة وفعل كل خير ولهذا جمهور الأمة يمنع منه ولا تجوز الصلاة على جنب إلا لمن لم يستطع القعود كما قال النبي لعمران صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب البخاري رقم 1117 وعمران بن حصين هو راوي الحديثين وهو الذي سأل عنهما النبي


 فصل في مناقشة أدلة منكري فرضية الجماعة
 # استدلالكم بحديث عثمان بن عفان من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل مسلم رقم 656 فمن افسد الاستدلال واظهر ما في نقضه عليكم قوله من صام رمضان واتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر مسلم رقم 1164 الترمذي رقم 759 ابو داود رقم 2433 ابن ماجه رقم 1716 وصيام الدهر غير واجب وقد شبه به الواجب بل الصحيح أن صيام الدهر كله مكروه فقد شبه به الصوم الواجب فغير ممتنع تشبيه الواجب بالمستحب في مضاعفة الأجر على الواجب القليل حتى يبلغ ثوابه ثواب المستحب الكثير # وأما استدلالكم بحديث يزيد بن الأسود ومحجن بن الأدرع وأبي ذر وعبادة فليس في حديث واحد منهم أن الرجل كان قد صلى وحده منفردا مع قدرته على الجماعة البتة ولو اخبر النبي لما اقره على ذلك وانكرعليه وكذلك ابن عمر لم يقل صليت وحدي وأنا اقدر على الجماعة # نقول إنه لم يصل من ترك الجماعة وهو يقدر عليها ونقول كما قال أصحاب رسول الله إنه لا صلاة له فحيث يثبت لهؤلاء صلاة فلا بد من احد الأمرين أن يكونوا صلوا جماعة مع غير هذه الجماعة أويكونوا معذورين وقت الصلاة ومن صلى وحده لعذر ثم زال عذره في الوقت لم يجب عليه إعادة الصلاة كما لو صلى بالتيمم ثم وجد الماء في


الوقت او صلى قاعدا لمرض ثم بريء في الوقت او صلى عريانا ثم وجد السترة في الوقت # وقد دلت احكام الشريعة على ان صلاة الجماعة فرض على كل واحد وذلك من وجوه # أحدها ان الجمع لأجل المطر جائز وليس جوازه إلا محافظة على الجماعة وإلا فمن الممكن ان يصلي كل واحد في بيته منفردا ولو كانت الجماعة ندبا لما جاز ترك الواجب وتقديم الصلاة في وقتها لأجل ندب محض # أن المريض إذا لم يستطع القيام في الجماعة وأطاق القيام إذا صلى وحده صلى جماعة وترك القيام ومحال أن يترك ركنا من اركان الصلاة لمندوب محض # أن الجماعة حال الخوف يفارقون الإمام ويعملون العمل الكثير في الصلاة ويجعلون الإمام منفردا في وسط الصلاة كل ذلك لأجل تحصيل الجماعة وكان من الممكن أن يصلوا وحدانا بدون هذه الأمور ومحال ان يرتكب ذلك وغيره لأجل امر مندوب إن شاء فعله وإن شاء لم يفعله وبالله التوفيق


 فصل في هل يتعين المسجد لصلاة الجماعة أم لا
 # المسألة الثامنة وهي هل له فعلها في بتيه أم يتعين المسجد فهذه المسألة فيها قولان للعلماء وهما روايتان عن الإمام أحمد احدهما له فعلها في بيته وبذلك قالت الحنفية والمالكية وهو احد الوجهين للشافعية # ليس له فعلها في البيت إلا من عذر # وفي المسألة قول ثالث فعلها في المسجد فرض كفاية وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي # القول الأول حديث الرجلين اللذين صليا في رحالهما فإن النبي ندبهما إلى فعلها في المسجد ولم ينكر عليهما فعلها في رحالهما وكذلك حديث محجن بن الأدرع وحديث عبدالله بن عمر وقد تقدمت هذه الاحاديث # وفي الصحيحن البخاري رقم 380 مسلم رقم 659 عن انس بن مالك قال كان النبي أحسن الناس خلقا فربما حضرت الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وينضح ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلي بنا # وفي الصحيحين البخاري رقم 689 مسلم رقم 411 عنه أيضا قال سقط النبي عن فرس فجحش شقة الايمن فدخلنا عليه


نعوده فحضرت الصلاة فصلى قاعدا البخاري رقم 689 مسلم رقم 411 # و في الصحيحن البخاري رقم 3425 مسلم رقم 520 ايضا عن ابي ذر قال سألت النبي اي مسجد وضع في الارض اول قال المسجد الحرام ثم المسجد الاقصى ثم حيثما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد # وصح عنه جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا البخاري رقم 335 مسلم رقم 521 # ووجه الرواية الثانية ما تقدم من الأحاديث الدالة على وجوب الجماعة فإنها صريحة في إتيان المساجد # وفي مسند الإمام أحمد 3/423 عن ابن ام مكتوم أن رسول الله اتى المسجد فرأى في القوم4 رقة فقال إني لأهم أن اجعل للناس إماما ثم اخرج فلا اقدر على انسان يتخلف عن الصلاة في بيته إلا احرقته عليه وفي لفظ لأبي داود رقم 553 ثم آتى قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فأحرق عليهم بيوتهم # و قال له ابن ام مكتوم وهورجل اعمى هل تجد لي رخصة ان اصلي في بيتي قال لا أجد لك رخصة ابو داود رقم 552 # وقال ابن مسعود لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم مسلم رقم 654 # وعن جابر بن عبدالله قال فقد النبي قوما في صلاة فقال ما

خالفكم عن الصلاة فقالوا الماء كان بيننا فقال لا صلاة لجار المسجد إلا في السمجد رواه الدار قطني السنن 3/111 و 174 # وقد تقدم هذا المعنى عن علي ابن ابي طالب وغيره من الصحابة فإن خالف وصلى في بيته جماعة من غير عذر ففي صحة صلاته قولان # قال أبو البركات ابن تيمية في شرحه فإن خالف وصلاها في بيته جماعة لا تصح من غير عذر بناء على ما اختاره ابن عقيل في تركه الجماعة حيث ارتكب النهي ويعضده قوله لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد سنن الدارقطني 3/111 و 174 قال والمذهب الصحة لقوله صلاة الرجل في جماعة تضاعف على صلاته في بيته أو في سوقه خمسا وعشرين ضعفا البخاري رقم 647 ويحمل قوله لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد سنن الدارقطني 3/111 و 174 على نفي الكمال جمعا بينهما # والرواية الأولى اختيار اصحابنا وان حضور المسجد لا يجب وهي عندي بعيدة جدا إن حملت على ظاهرها فإن الصلاة في المسجد من اكبر شعائر الدين وعلاماته وفي تركها بالكلية او في المفاسد ومحو آثار الصلاة بحيث تفضي إلى فتور همم اكثر الخلق عن اصل فعلها ولهذا قال عبدالله بن مسعود لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم # قال وإنما معنى هذه الرواية والله اعلم أن فعلها في البيت جائز لآحاد الناس إذا كانت تقام في المساجد فيكون فعلها في المسجد فرض كفاية على هذه الرواية وعلى الآخرى فرض عين # قال ويدل على ذلك جواز الجمع بين الصلاتين للأمطار ولو كان

الواجب فعل الجماعة فقط دون الفعل في المسجد لما جاز الجمع لذلك لأن اكثر الناس قادرون على الجماعة في البيوت فإن الإنسان غالبا لا يخلو أن تكون عنده زوجة او ولد او غلام او صديق او نحوهم فيمكنه الصلاة جماعة فلا يجوز ترك الشرط وهو الوقت من اجل السنة فلما جاز الجمع علم ان الجماعة في المساجد فرض إما على الكفاية وإما على الاعيان هذا كلامه # ومن تأمل السنة حق التأمل تبين له ان فعلها في المساجد فرض على الأعيان إلا لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة فترك حضور المسجد لغير عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر وبهذا تتفق جميع الأحاديث والآثار # مات رسول الله وبلغ اهل مكة موته خطبهم سهيل بن عمرو وكان عتاب بنأسيد عاملة على مكة قد توارى خوفا من اهل مكة فأخرجه سهيل وثبت اهل مكة على الأسلام فخطبهم بعد ذلك عتاب وقال يا اهل مكة والله لا يبلغني أن احدا منكم تخلف عن الصلاة في المسجد في الجماعة إلا ضربت عنقه وشكر لهاصحاب رسول الله هذا الصنيع وزاده رفعة في اعينهم # فالذي ندين الله به انه لا يجوز لاحد التخلف عن الجماعة في المسجد إلا من عذر والله اعلم بالصواب


 فصل في حكم من نقر الصلاة ولم يتم ركوعها ولا سجودها
 # وأما المسألة التاسعة وهي حكم من نقر الصلاة ولم يتم ركوعها ولا سجودها # المسألة قد شفى فيها رسول الله وكفى وكذلك اصحابه من بعده فلا معدل لناصح نفسه عما جاءت به السنة في ذلك ونحن نسوق مذهب رسول الله وأصحابه في ذلك بألفاظه # فعن ابي هريرة ان النبي دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي فرد عليه السلام فقال ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاثا فقال والذي بعثك بالحق ما احسن غيره فعلمني قال إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها متفق على صحته البخاري رقم 6251 مسلم رقم 397 وهذا لفظ البخاري # وفيه دليل على تعين التكبير للدخول في الصلاة وأن غيره لا يقوم مقامه كما يتعين الوضوء واستقبال القبلة وعلى وجوب القراءة وتقييدعا بما تيسر ولا ينفي تعين الفاتحة بدليل آخر فإن الذي قال هذا الذي قال كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج مسلم رقم 395 وهو الذي قال لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب البخاري


مسلم رقم 394 ولا تضرب سننه بعضها ببعض وفي دليل على وجوب الطمأنينة وأن من تركها لم يفعل ما امر به فيبقى مطالبا بالأمر وتأمل امره بالطمأنينة في الركوع والاعتدال في الرفع منه فإنه لا يكفي مجرد الطمأنينة في ركن الرفع حتى تعتدل قائما # قلنا فيجمع بين الطمأنينة والاعتدال خلافا لمن قال إذا ركع ثم سجد من ركوعه ولم يرفع رأسه صحت صلاته فلم يكتف من شرع الصلاة بمجرد الرفع حتى يأتي به كاملا بحيث يكون معتدلا فيه ولا ينفي هذا وجوب التسبيح في الركوع والسجود والتسميع والتحميد في الرفع بدليل آخر # فإن الذي قال هذا وأمر به هو الذي امر بالتسبيح في الركوع فقال لما نزلت ( ^ فسبح باسم ربك العظيم ) قال اجعلوها في ركوعهم # وأمر بالتحميد في الرفع فقال إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد الترمذي رقم 267 # فهو الذي امرنا بالركوع وبالطمأنينة فيه وبالتسبيح والتحميد وقال في الرفع من السجود ثم ارفع حتى تطمئن جالسا وفي لفظ حتى تعتدل جالسا فلم يكتف بمجرد الرفع كحد السيف حتى تحصل الطمأنينة والاعتدال ففيه امر بالرفع والطمأنينة فيه والاعتدال # يمكن التمسك بما لم يذكر في هذا الحديث على اسقاط وجوبه عند أحد من الأئمة # فإن الشافعي يوجب الفاتحة والتشهد الأخير والصلاة على النبي ولم يذكر فيه

# وابو حنيفة يوجب الجلوس مقدار التشهد والخروج من الصلاة بالمنافي ولم يذكر ذلك فيه # ومالك يوجب التشهد والسلام ولم يذكر ذلك فيه # وأحمد يوجب التسبيح في الركوع والسجود والتسميع والتحميد وقول رب اغفر لي ولم يذكر في الحديث # فلا يمكن لاحد ان يسقط كل ما لم يذكر فيه # فإن قيل فرسول الله قد اقره على تلك الصلاة مرتين ولو كانت باطلة لم يقره عليها فإنه لا يقر على باطل # قيل كيف يكون قد اقره وهو يقول له ارجع فصل فإنك لم تصل فأمره ونفى عنه مسمى الصلاة التي شرعها واي إنكار ابلغ من هذا # فإن قيل فهو لم ينكر عليه في نفس الصلاة # قيل نعم لما في ذلك من التنفير له وعدم تمكنه من التعليم كما ينبغي كما اقر الذي بال في المسجد على إكمال بوله حتى قضاها ثم علمه وهذا من رفقة وكمال تعليمه ولطفه صلوات الله وسلامه عليه # فإن قيل فهلا قال له في نفس الصلاة اقطعها قيل لم يقل للبائل اقطع بولك وهذا أولى نعم لو أقره على تلك الصلاة ولم يأمره بإعادتها ولم ينف عنه الصلاة الشرعية كان فيه متمسك لكم # فإن قيل قوله لم تصل اي لم تصل صلاة كاملة وإنما الممتنع أن تكون له صلاة صحيحة قد اخل ببعض مستحباتها ثم يقول له ارجع فصل فإنك لم تصل هذا في غاية البطلان

# وعن رفاعة بن رافع ان رسول الله بينما هو جالس في المسجد يوما ونحن معه إذ جاء رجل كالبدوي فصلى فأخف صلاته ثم انصرف فسلم على النبي فقال فقال وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا كل ذلك يأتي النبي فيسلم على النبي فيقول النبي وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل فخاف الناس وكبر عليهم ان يكون من اخف صلاته لم يصل فقال الرجل في آخر ذلك فأرني وعلمني فإنما أنا بشر اصيب وأخطيء فقال اجل إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما امر الله ثم تشهد واقم فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله ثم اركع فاطمئن راكعا ثم اعتدل قائما ثم اسجد فاعتدل ساجدا ثم اجلس فاطمئن جالسا ثم قم فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك وإن انتقصت منه شيئا انتقصت من صلاتك قال فكان هذا اهون عليهم من الاول أنه من انتقص من هذا شيئا انتقص من صلاته ولم تنقص كلها رواه الإمام أحمد المسند 4/340 وأهل السنن الترمذي رقم 302 ابو داود رقم 858 النسائي رقم 1053 # وفي رواية أبي داود رقم 861 وتقرأ بما شئت من القرآن ثم تقول الله اكبر وعنده فإن كان معك قرآن فاقرأ به # وفي رواية لأحمد المسند 4/340 إذا اردت ان تصلي فتوضأ فاحسن وضوءك ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ بأم القرآن ثم اقرأ بما شئت فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك وامدد ظهرك ومكن لركوعك فإذا رفعت رأسك فاقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصليها فإذا سجدت فمكن لسوجودك فإذا رفعت فاعتمد على فخذك اليسرى ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة

# فإذا ضممت قوله في هذا الحديث توضأ كما امر الله إلى قوله في الصفا والمروة ابدؤوا بما بدأ الله به مسلم رقم 1218 أفاد وجوب الوضوء على الترتيب الذي ذكره الله سبحانه # وقوله في الحديث اقرأ بأم القرآن ثم اقرا بما شئت تقيد لمطلق قوله اقرأ بما تيسر معك من القرآن وهذا معنى قوله في الحديث وتقرأ بما شئت من القرآن وقال فإن كان معك قرآن وإلا فاحمد الله وكبره وهلله فألفاظ الحديث يبين بعضها بعضا وهي تبين مراده فلا يجوز ان يتعلق بلفظ منها ويترك بقيتها # وقوله ثم تقول الله اكبر فيه تعيين هذا اللفظ دون غيره وهو التكبير المعهود في قوله تحريمها التكبير مسند أحمد 1/123 و 129 أبو داود رقم 461 الترمذي رقم 3 ابن ماجة رقم 275 # وقوله فإذا رفعت رأسك فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها صريح في وجوب الرفع والاعتدال منه والطمأنينة فيه # وعن ابي مسعود البدري قال قال رسول الله لا تجزيء صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود رواه الإمام أحمد المسند 4/119 واهل السنن الترمذي رقم 265 أبو داود رقم 855 النسائي رقم 1027 ابن ماجه رقم 870 وقال الترمذي حديث حسن صحيح # وهذا نص صريح في أن الرفع من الركوع وبين السجود الاعتدال فيه والطمأنينة فيه ركن لا تصح الصلاة إلا به

# وعن علي بن شيبان قال خرجنا حتى قدمنا على رسول الله فبايعناه وصلينا خلفه فلمح بمؤخر عينيه رجلا لا يقيم صلاته يعني صلبه في الركوع والسجود فلما قضى النبي قال يا معشر المسلمين لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود رواه الإمام أحمد المسند 4/23 وابن ماجه رقم 871 # وقوله لا صلاة يعني تجزية بدليل قوله لا تجزيء صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود ولفظ أحمد في هذا الحديث لاينظر الله إلى رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده # وعن ابي هريرة أن رسول الله قال لا ينظر الله إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده رواه الإمام أحمد المسند 2/525 # وفي سنن البيهقي السنن الكبرى 2/88 عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله لا تجزيء صلاةلا يقيم الرجل فيها صلبة في الركوع والسجود # وقد نهى النبي عن نقر المصلي صلاته وأخبر أنها صلاة المنافقين وفي المسند 3/428 والسنن النسائي رقم 1112 أبو داود رقم 862 ابن ماجه رقم 1429 من حديث عبدالرحمن بن شبل قال نهى رسول الله عن نقرة الغراب وافتراش السبع وعن توطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير فتضمن الحديث النهي في الصلاة عن التشبه بالحيوانات بالغراب في النقرة وبالسبع بافتراشه ذراعية في السجود وبالبعير في لزومه مكانا معينا من المسجد يتوطنه كما يتوطن البعير

# وفي حديث آخر نهى عن عن التفات كالتفات الثعلب وإقعاء كإقعاء الكلب ورفع الأيدي كأذناب الخيل مسند أحمد 2/311 # فهذه ست حيوانات نهى عن التشبه بها # وأما ما وصفه من صلاة النقار بأنها صلاة المنافقين ففي صحيح مسلم رقم 622 عن علاء بن عبدالرحمن أنه دخل على انس بن مالك في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر قال فلما دخلنا عليه قال أصليتما العصر فقلنا إنما انصرفنا الساعة من الظهر قال تقدموا فصلوا العصر فقمنا فصلينا فلما انصرفنا قال سمعت رسول الله يقول تلك صلاة المنافقين يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها اربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا # وقد تقدم قول ابن مسعود ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها يريد الجماعة إلا منافق معلوم النفاق مسلم رقم 654 # وقد قال تعالى ( ^ إن المنفقين يخادعون الله وهو خدعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ) 4 سورة النساء / الآية 142 # فهذه ست صفات في الصلاةمن علامات النفاق الكسل عند القيام إليها ومراءاة الناس في فعلها وتأخيرها ونقرها وقلة ذكر الله فيها والتخلف عن جماعتها # وعن ابي عبدالله الأشعري قال صلى رسول الله بأصحابه ثم جلس في طائفة منهم فدخل رجل منهم فقام يصلي فجعل يركع وينقر في سجوده ورسول الله ينظر إليه فقال ترون هذا لو مات مات على

غير ملة محمد ينقر صداقه كما ينقر الغراب الدم إنما مثل الذي يصلي ولا يركع وينقر في سجوده كالجائع لا يأكل إلا تمرة او تمرتين فما يغنيان عنه فأسبغوا الوضوء وويل للاعقاب من النار فأتموا الركوع والسجود وقال ابو صالح فقلت لأبي عبدالله الأشعري من حدثك بهذا الحديث قال امراء الأجناد خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة ويزيد ابن ابي سفيان كل هؤلاء سمعه من رسول الله رواه ابو بكر ابن خزيمة في صحيحه 1/332 # فأخبر ان نقار الصلاة لو مات مات على غير الإسلام # وفي صحيح البخاري رقم 791 عن زيد بن وهب قال رأى حذيفة رجلا لا يتم الركوع ولا السجود قال ما صليت لو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدا ولو أخبر أن صلاة النقار صحت لما اخرجه عن فطرة الإسلام بالنقر # جعل رسول الله لص الصلاة وسارقها شرا من لص الأموال وسارقها ففي المسند 5/210 من حديث ابي قتادة قال قال رسول الله اسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته قالوا يا رسول الله كيف يسرق صلاته قال لا يتم ركوعها ولا سجودها أو قال لا يقيم صلبه في الركوع والسجود فصرح بأنه اسوأ حالا من سارق الاموال ولا ريب أن لص الدين شر من لص الدنيا # وفي المسند مصنف عبدالرزاق 2/373 رقم 375 سنن البيهقي 2/291 من حديث سالم ابن ابي الجعد عن سلمان هو الفارسي قال قال رسول الله الصلاة مكيال فمن وفى وفي له ومن طفف فقد علمتم ما قاله الله في المطففين

# قال مالك وكان يقال في كل شيء وفاء وتطفيف فإذا توعد الله سبحانه بالويل للمطففين في الاموال فما الظن بالمطففين في الصلاة # وقد ذكر ابو جعفر العقيلي في الضعفاء الكبير 1/121 عن الاحوص بن حكيم عن خالد بن معدان عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله إذا توضأ العبد فأحسن وضوءه ثم قام إلى الصلاة فأتم ركوعها وسجودها والقراءة فيها قالت له الصلاة حفظك الله كما حفظتني ثم يصعد بها إلى السماء ولها ضوء ونور وفتحت لها أبواب السماء حتى تنتهي إلى الله تبارك وتعالى فتشفع لصاحبها وإذا ضيع وضوءها وركوعها وسجودها والقراءة فيها قالت له الصلاة ضيعك الله كما ضيعتني ثم يصعد بها إلى السماء فتغلقت دونها أبواب السماء ثم تلف كما يلف الثوب الخلق ثم يضرب بها وجه صاحبها # وقال الإمام أحمد في رواية مهنا بن يحيى الشامي طبقات الحنابلة 1/364 جاء الحديث إذا توضأ فأحسن الصلاة ثم ذكره تعليقا
 فصل في مقدار صلاة رسول الله
 # وأما المسألة العاشرة وهي مقدار صلاة رسول الله فهي من اجل المسائل وأهمها وحاجة الناس إلى معرفتها اعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب وقد ضيعها الناس من عهد انس بن مالك رضي الله عنه # ففي صحيح البخاري رقم 530 من حديث الزهري قال دخلت


على انس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت له ما يبكيك فقال لا اعرف شيئا مما ادركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت # وقال موسى بن اسماعيل حدثنا مهدي عن غيلان عن انس قال ما اعرف شيئا مما كان على عهد رسول الله قيل فالصلاة قال اليس قد ضيعتم ما ضيعتم فيها أخرجه البخاري رقم 529 عن موسى # وأنس رضي الله عنه تأخر حتى شاهد من إضاعة اركان الصلاة واوقاتها وتسبيحها في الركوع والسجود وإتمام تكبيرات الانتقال فيها ما انكره واخبر ان هدي رسول الله كان بخلافه كما ستقف عليه مفصلا إن شاء الله # ففي الصحيحن البخاري رقم 706 مسلم رقم 469 من حديث انس رضي الله عنه قال كان رسول الله يوجز الصلاة ويكملها # وفي الصحيحين البخاري رقم 708 مسلم رقم 469 عنه ايضا قال ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة النبي زاد البخاري وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن امه # فوصف صلاته بالإيجاز والتمام والإيجاز هو الذي كان يفعله لا الإيجاز الذي كان يظنه من لم يقف على مقدار صلاته فإن الإيجاز امر نسبي إضافي راجع إلى السنة لا إلى شهوة الإمام ومن خلفه فلما كان يقرأ في الفجر بالستين إلى المئة كان هذا الإيجاز بالنسبة إلى ست مئة إلى الف ولما قرأ في المغرب بالأعراف كان هذا الإيجاز بالنسبة إلى البقرة

# ويدل على هذا ان انسا نفسه قال في الحديث الذي رواه ابو داود رقم 888 والنسائي رقم 1135 من حديث عبدالله بن إبراهيم بن كيسان حدثني ابي عن وهب بن مانوس سمعت سعيد بن جبير يقول سمعت انس بن مالك يقول ما صليت وراء احد بعد رسول الله أشبه صلاة برسول الله من هذا الفتى يعني عمر بن عبدالعزيز فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات وفي سجوده عشر تسبيحات # وانس ايضا هو القائل في الحديث المتفق عليه البخاري رقم 821 مسلم رقم 472 إني لا ألو أن اصلى بكم كما كان رسول الله يصلي بنا قال ثابت كان انس يصنع شيئا لا اراكم تصنعونه كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائما حتى يقول القائل قد نسي وإذا رفع رأس من السجدة مكث حتى يقول القائل قد نسي # وأنس هو القائل هذا وهو القائل ما صليت وراء إمام قط اخف صلاة ولا أتم من صلاة النبي البخاري رقم 708 وحديثه لا يكذب بعضه بعضا # ومما يبين ما ذكرناه ما رواه ابو داود في سننه رقم 853 من حديث حماد بن سلمة اخبرنا ثابت وحميد عن انس بن مالك قال ما صليت خلف رجل اوجز صلاة من رسول الله في تمام وكان رسول الله إذا قال سمع الله لمن حمده قام حتى نقول قد اوهم ثم يكبر ثم يسجد وكان يقعد بين السجدتين حتى نقول قد اوهم # هذا سياق حديثه فجمع انس رضي الله عنه في هذا الحديث الصحيح بين الإخبار بإيجازه الصلاة وإتمامها وبين فيه ان من إتمامها الذي أخبر به إطاعة الاعتدالين حتى يظن الظان أنه قد اوهم أو نسي من شدة

الطول فجمع بين الامرين في الحديث وهو القائل ما رأيت أوجز من صلاة رسول الله ولا أتم فيشبه ان يكون الإيجاز عاد إلى القيام والإتمام إلى الركوع والسجود والاعتدالين بينهما لأن القيام لا يكاد يفعل إلا تاما فلا يحتاج إلى الوصف بالإتمام بخلاف الركوع والسجود والاعتدالين # وسر ذلك أنه بإيحاز القيام وإطالة الركوع والسجود والأعتدالين تصير الصلاة تامة لاعتدالها وتقاربها فيصدق قوله ما رأيت اوجز ولااتم من صلاة رسول الله وهذا هو الذي كان يعتمده صلوات الله عليه وسلامه في صلاته فإنه كان يعدلها حيث يعتدل قيامها وركوعها وسجودها واتدالها # ففي الصحيحين البخاري رقم 820 مسلم رقم 471 عن البراء بن عازب قال رمقت الصلاة مع محمد فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته فجلسته بين السجدتين مسجداته فجلسته بين التسليم والانصراف قريبا من السواء # وفي لفظ لهما البخاري رقم 801 مسلم رقم 471 كانت صلاة رسول الله قيامه وركوعه وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده وما بين السجدتين قريبا من السواء # ولا يناقض هذا ما رواه البخاري رقم 792 في هذا الحديث كان ركوع النبي وسجوده وما بين السجدتين وإذا رفع رأسه ما خلا القيام والقعود قريبا من السواء # فإن البراء هو القائل هذا وهذا فإنه في السياق الأول ادخل في ذلك قيام القراءة وجلوس التشهد وليس مراده انهما بقدر ركوعه وسجوده وإلا

ناقض السياق الاول والثاني وإنما المراد ان طولهما كان مناسبا لطول الركوع والسجود والاعتدالين بحيث لا يظهر التفاوت الشديد في طول هذا وقصر هذا كما يفعله كثير ممن لا علم عنده بالسنة يطيل القيام جدا ويخفف الركوع والسجود وكثير ما يفعلون هذا في التراويح وهذا هو الذي انكره انس بقوله ما صليت وراء إمام قط اخف صلاة ولا اتم من صلاة رسول الله فإن كثيرا من الأمراء في زمانه كان يطيل القيام جدا فيثقل على المأمومين ويخفف الركوع والسجود والاعتدالين فلا يكمل الصلاة فالامران اللذان وصف بهما انس رسول الله هما اللذان كان الامراء يخالفونهما وصار ذلك اعني تقصير الاعتدالين شعارا حتى استحبه بعض الفقهاء وكره إطالتهما ولهذا قال ثابت وكان انس يصنع شيئا لا اراكم تصنعونه كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائما حتى يقول القائل قد نسي فهذا الذي فعله انس هو الذي كان رسول الله يفعله وإن كرهه من كرهه فسنة رسول الله أولى واحق بالاتباع # وقول البراء في السياق الآخر ما خلا القيام والقعود بيان ان ركن القراءة والتشهد اطول من غيرهما وقد ظن طائفة أن مراده بذلك قيام الاعتدال من الركوع وقعود الفصل بين السجدتين وجعلوا الاستثناء عائدا إلى تقصيرهما وبنوا على ذلك ان السنة تقصيرهما وابطل من غلا منهم الصلاة بتطويلهما وهذا غلط فإن لفظ الحديث وسياقه يبطل هؤلاء فإن لفظ البراء كان ركوعه وسجوده وما بين السجدتين وإذا رفع رأسه وما خلا القيام والقعود قريبا من السواء فكيف يقول وإذا رفع رأسه من الركوع ما خلا رفع رأسه من الركوع هذا باطل قطعا # وأما فعل النبي فقد تقدم حديث أنس أنه صلى بهم صلاة

النبي فكان يقوم بعد الركوع حتى يقول القائل قد نسي وكان يقول بعد رفع رأسه من الركوع 4سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الارض وملء ما شئت من شيء بعد اهل الثناء والمجد احق ما قال العبد وكلنا لك عبد اللهم لا مانع لما اعطيت ولامعطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد رواه مسلم رقم 477 و 476 من حديث ابي سعيد ورواه من حديث ابن ابي اوفى وزادفيه بعد قوله من شيء بعد اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس # وكذلك كان هديه في صلاة الليل يركع قريبا من قيامه ويرفع رأسه بقدر ركوعه ويسجد بقدر ذلك ويمكث بين السجدتين بقدر ذلك وكذلك فعل في صلاة الكسوف اطال ركن الاعتدال قريبا من القراءة البخاري رقم 1056 مسلم رقم 901 فهذا هديه الذي كأنك تشاهده وهو يفعله وهكذا فعل الخلفاء الراشدون من بعد # قال زيد بن اسلم كان عمر يخفف القيام والقعود ويتم الركوع والسجود # فأحاديث انس رضي الله عنه كلها تدل على ان النبي كان يطيل الركوع والسجود و الاعتدالين زيادة على ما يفعله اكثر الائمة بل كلهم إلاالنادر فانس انكر تطويل القيام على ما كان رسول الله يفعله وقال كانت صلاة رسول الله متقاربة يقرب بعضها من بعض وهذا موافق لرواية البراء بن عازب انها كانت قريبا من السواء # فأحاديث الصحابة في هذا الباب يصدق بعضها بعضا


 فصل في قدر قيامه للقراءة
 # قدر قيامه للقراءة فقال ابو برزة الاسلمي كان النبي يصلي الصبح فينصرف الرجل فيعرف جليسه وكان يقرأ في الركعتين او احداهما ما بين الستين إلى المئة متفق على صحته البخاري رقم 771 مسلم رقم 647 # وفي صحيح مسلم رقم 455 عن عبدالله بن السائب قال صلى بنا رسول الله الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنين حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى اخذت النبي سعلة فركع # وفي صحيح مسلم رقم 457 عن قطبة بن مالك انه سمع النبي يقرأ في الفجر ( ^ والنخل باسقات لها طلع نضيد ) 50 سورة ق / الآية 10 وربما قال ( ^ ق ) # صحيح مسلم أيضا رقم 458 عن جابر بن سمرة ان النبي كان يقرأ في الفجر ب ( ^ ق والقرآن المجيد ) 50 سورة ق / الآية 1 وكانت صلاته بعد تخفيفا # وكانت صلاته بعد تخفيفا اي بعد صلاة الصبح اخف من قراءتها ولم يرد أنه كان بعد ذلك يخفف قراءة الفجر عن ( ^ ق ) # يدل عليه ما رواه مسلم في صحيحه رقم 459 من حديث شعبة عن سماك عن جابر بن سمرة قال كان النبي يقرأ في الظهر ب ( ^ واليل


إذا يغشى ) 92 سورة الليل / الآية 1 وفي العصر بنحو ذلك وفي الصبح اطول من ذلك # وفي صحيح مسلم رقم 458 عن زهير عن سماك بن حرب قال ِسألت جابر بن سمرة عن صلاة النبي فقال كان يخفف الصلاة ولا يصلي صلاة هؤلاء قال وأنبأني ان رسول الله كان يقرأ في الفجر ب ( ^ ق والقرآن المجيد ) ونحوها # فاخبر ان هذا كان تخفيفه # وهذا مما يبين ان قوله وكانت صلاته بعد تخفيفا اي بعد الفجر فإنه جمع بين وصف صلاة رسول الله بالتخفيف وبين قراءته فيها ب 50 سورة ( ^ ق ) ونحوها # وقد ثبت في الصحيح البخاري رقم 1619 عن أم سلمة أنها سمعت النبي يقرأ في الفجر ب 52 سورة ( ^ الطور ) قريب من 50 سورة ( ^ ق ) # وفي الصحيح البخاري رقم 763 مسلم رقم 462 عن ابن عباس انه قال إن ام الفضل سمعته وهو يقرأ 76 سورة ( ^ والمرسلت عرفا ) فقالت يابني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة فإنها لآخر ما سمعت من النبي يقرأ بها في المغرب # فقد اخبرت ام الفضل ان ذلك آخر ما سمعته يقرأ بها في المغرب وام الفضل لم تكن من المهاجرين بل هي من المستضعفين كما قال ابن عباس كنت أنا وأمي من المستضعفين الذين عذر الله البخاري رقم 4587 و 4588 فهذا السماع كان متأخرا بعد فتح مكة قطعا

# وفي صحيح البخاري رقم 764 ان مروان بن الحكم قال لزيد بن ثابت مالك تقرأ في المغرب بقصار المفصل وقد سمعت رسول الله يقرأ فيها بطولي الطوليين وسأل ابن مليكة ابو داود رقم 812 احد رواته ما طولي الطوليين فقال من قبل نفسه المائدة والاعراف # على صحة تفسيره حديث عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها ان رسول الله قرأ في صلاة المغرب بسورة ( ^ الاعراف ) فرقها في الركعتين رواه النسائي رقم 991 # وروى النسائي ايضا رقم 988 من حديث ابن مسعود ان رسول الله قرأ في المغرب ب44 سورة ( ^ الدخان ) # وفي الصحيحين البخاري رقم 765 مسلم رقم 463 عن جبير بن مطعم قال سمعت رسول الله يقرأ ب 52 سورة ( ^ الطور ) في المغرب # فأما العشاء فقال البراء بن عازب سمعت رسول الله يقرأ في العشاء 95 سورة ( ^ والتين والزيتون ) وما سمعت احدا أحسن صوتا منه متفق عليه البخاري رقم 769 مسلم رقم 464 # وفي الصحيحن ايضا البخاري رقم 766 مسلم رقم 578 عن ابي رافع قال صليت مع ابي هريرة العتمة فقرأ 84 سورة ( ^ إذا السماء انشقت ) فسجد فقلت له فقال سجدت بها خلف ابي القاسم فلا ازال اسجد بها حتى القاه # وفي المسند 5/355 والترمذي رقم 309 من حديث بريدة قال كان رسول الله يقرأ في العشاء الآخرة ب 91 سورة ( ^ والشمس وضحها ) ونحوها من السور قال الترمذي حديث حسن

# لمعاذ في صلاة العشاء الآخرة اقرأ ب 91 سورة ( ^ والشمس وضحها ) و 87 سورة ( ^ سبح اسم ربك الأعلى ) و 96 سورة ( ^ اقرأ باسم ربك ) و 92 سورة ( ^ والليل إذا يغشى ) متفق عليه البخاري رقم 705 مسلم رقم 465 # وأما الظهر والعصر ففي صحيح مسلم رقم 454 من حديث ابي سعيد الخدري قال كانت صلاة الظهر تقام فينطلق احدنا إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي اهله فيتوضأ ثم يرجع إلى المسجد ورسول الله في الركعة الاولى # وعن ابي قتادة رضي الله عنه قال كان رسول الله يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ويسمعنا الآية احيانا وكان يطول الركعة الأولى من الظهر ويقصر الثانية ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب متفق عليه البخاري رقم 776 مسلم رقم 451 ولفظه لمسلم # وفي رواية البخاري رقم 779 وكان يطول الاولى من صلاة الصبح ويقصر في الثانية # وفي رواية لأبي داود رقم 800 قال فظننا أنه يريد ان يدرك الناس الركعة الاولى # وفي مسند الامام احمد 4/356 عن عبدالله ابن ابي اوفى ان النبي كان يقوم في الركعة الاولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم # قال سعدابن ابي وقاص لعمر اما انا فأمد في الاوليين واخفف في

الأخريين وما آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله فقال له عمر ذلك ظني فيك رواه البخاري رقم 755 ومسلم رقم 453 # وقال ابو سعيد الخدري كنا نحزر قيام رسول الله في الظهر والعصر فحزرنا قيامه في الركعتين الاوليين من الظهر قدر 32 سورة ( ^ الم تنزيل ) السجدة وحزرنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذلك وحرزنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على النصف من # وفي رواية بدل قومه 32 سورة ( ^ تنزيل ) السجدة قدر ثلاثين آية وفي الآخريين قدر خمس عشرة آية وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة وفي الأخريين قدر نصف ذلك هذه الالفاظ كلها في صحيح مسلم رقم 452 # وقد احتج به من استحب قراءة السورة بعد الفاتحة في الأخريين وهو ظاهر الدلالة لو لم يجيء حديث ابي قتادة المتفق على صحته أنه كان يقرأ في الاوليين بفاتحة الكتاب وسورتين وفي الأخريين بفاتحة الكتاب فذكر السورتين في الركعتين الاوليين واقتصاره على الفاتحة في الاخريين يدل على اختصاص كل ركعتين بما ذكر من قراءتهما وحديثسعد يحتمل لما قال أبو قتادة ولما قال أبو سعيد وحديث ابي سعيد ليس صريحا في قراءة السوره في الاخريين فإنما هو حزر وتخمين # وقال ابو جابر بن سمرة كان النبي يقرأ في الظهر 912 سورة ( ^ واليل إذا يغشى ) وفي العصر نحو ذلك وفي الصبح اطول من ذلك رواه مسلم رقم 459 # وعنه ان النبي كان يقرأ في الظهر 87 سورة ( ^ سبح اسم ربك الأعلى ) وفي الصبح بأطول من ذلك رواه مسلم ايضا رقم 460

# وعنه ان رسول الله كان يقرأ في الظهر والعصر 85 سورة ( ^ والسماء ذات البروج ) و 86 سورة ( 6 والسماء والطارق ) ونحوهما من السور رواه احمد 5/103 واهل السنن ابو داود رقم 805 النسائي رقم 979 الترمذي رقم 307 # سنن النسائي رقم 971 عن البراء قال كان رسول الله يصلي بنا الظهر فنسمع منه الآية بعد الآية من سورة لقمان والذاريات # وفي السنن ابو داود رقم 807 من حديث ابن عمر ان رسول الله سجد في صلاة الظهر ثم قام فركع فرأينا أنه قرأ 32 سورة ( ^ تنزيل السجدة وفيه دليل على انه لا يكره قراءة السجدة في صلاة السر وأن الامام إذا قرأها سجد ولا يخير المأمومون بين اتباعه وتركه بل يجب عليهم متابعته # وقال انس صليت مع النبي صلاة الظهر فقرأ لنا بهاتين السورتين في الركعتين 87 سورة ( ^ سبح اسم ربك الاعلى ) و 88 سورة ( ^ هل اتك حديث الغشية ) رواه النسائي رقم 972 # والصحابة رضي الله عنهم أنكروا على من كان يبالغ في تطويل القيام وعلى من كان يخفف الاركان ولا سيما ركني الاعتدال وعلى من كان لا يتم التكبير وعلى من كان يؤخر الصلاة إلى آخر وقتها وعلى من كان يتخلف عن جماعتها واخبروا عن صلاة رسول الله التي ما زال يصليها حتى مات ولم يذكر أحد منهم اصلا انه نقص من صلاته في آخر حياته ولا ان تلك الصلاة التي كان يصليها منسوخة بل استمر خلفاؤه الراشدون على منهاجه في الصلاة كما استمروا على منهاجه في غيرها

فصلى الصديق صلاة الصبح فقرأ فيها بالبقرة كلها فلما انصرف منها قالوا يا خليفة رسول الله كادت الشمس تطلع قال لو طلعت لم تجدنا غافلين الموطأ 1/82 # وكان عمر يصلي الصبح بالنحل ويونس وهود ويوسف ونحوها من السور الموطأ 1/82 # قال المخففون إنكم وإن تمسكتم بالسنة في التطويل فنحن اسعد بها منكم في الإيجاز والتخفيف لكثرة الاحاديث بذلك وصحتها وامر النبي بالإيجاز والتخفيف وشدة غضبه على المطولين وموعظته لهم وتسميتهم منفرين # فعن ابي مسعود ان رجلا قال والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من اجل فلان مما يطيل بنا فما رأيت رسول الله في موضع اشد غضبا منه يومئذ ثم قال ايها الناس ان منكم منفرين فإيكم ما صلى الناس فليتجوز فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة # رواه البخاري رقم 704 ومسلم رقم 466 وفي رواية للبخاري فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة # وعن أبي هريرة أن النبي قال إذا أم أحدكم فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض وإذا صلى وحده فليصل كيف شاء راواه البخاري رقم 703 ومسلم رقم 467 واللفظ لمسلم # عثمان ابن أبي العاص الثقفي أن رسول الله قال له أم قومكم قال قلت يا رسول الله إني أجد في نفسي شيئا قال ادنه

فأجلسني بين يديه ثم وضع كفه في صدري بين ثديي ثم قال تحول فوضعها في ظهري بين كتفي ثم قال أم قومك فمن ام قوما فليخفف فإن فيهم الكبير وإن فيهم المريض وإن فيهم الضعيف وإن فيهم ذا الحاجة فإذا صلى أحدكم وحده فليصل كيف شاء رواه مسلم رقم 468 # وفي رواية إذا اممت قوما فأخف بهم الصلاة # وقال أنس بن مالك كان النبي يوجز الصلاة ويكلمها وفي لفظ يوجز ويتم متفق عليه البخاري رقم 706 مسلم رقم 469 # وقال أنس أيضا ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من صلاة رسول الله وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أمة متفق عليه البخاري رقم 708 مسلم رقم 469 # وعن عثمان ابن أبي العاص أنه قال يا رسول الله اجعلني إمام قومي قال أنت إمامهم فاقتد بأضعفهم واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا رواه الإمام أحمد 4\ 216 وأهل السنن أبو داود رقم 531 والنسائي رقم 672 # ورواه أبو داود رقم 885 في سننه من حديث الجريري عن السعدي عن أبيه أو عمه قال رمقت النبي في صلاته فكان يتمكن في ركوعه وسجوده قدر ما يقول سبحان الله وبحمده ثلاثا ورواه أحمد أيضا في مسنده 5\6

# وروى أبو داود رقم 4904 في سننه من حديث ابن وهب أخبرني سعيد بن عبد الرحمن ابن ابي العمياء أن سهل ابن أبي أمامة حدثه أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة فقال إن رسول الله كان يقول لا تشددوا على انفسكم فيشدد عليكم فإن قوما شددوا على أنفسهم فتلك بقاياهم في الصوامع والداريات ( ^ ورهبانيته ابتدعوها ما كتبنها عليهم ) 57 سورة الحديد \ الآية 27 هذا الذي في رواية اللؤلؤي عن أبي داود ابن داسة عنه أنه دخل وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة في زمن عمر بن عبدالعزيز وهو أمير المدينة فإذا هو يصلي صلاة خفيفة كأنها صلاة مسافر أو قريبا منها فلما سلم قال يرحمك الله أرأيت هذه الصلاة هي المكتوبة او شيء تنفلت به قال إنها المكتوبة وإنها لصلاة رسول الله كان يقول لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم فإن قوما شددوا على انفسهم فشدد عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والدايار ( ^ ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم ) 57 سورة الحديد / الآية 27 ثم غدا من الغد فقال ألا تركب لننظر ونعتبر قال نعم فركبوا جميعا فإذا بديار باد اهلها وانقضوا وفنوا خاوية على عروشها قال أتعرف هذه الديار قال ما أعرفني بها وبأهلها هؤلاء أهل ديار أهلكم البغي والحسد إن الحسد يطفيء نور الحسد واللسان والفرج يصدق ذلك أو يكذبه # فأما سهل ابن ابي امامة فقد وثقه يحيى بن معين وغيره وروى له مسلم # وأما ابن أبي العمياء من أهل بيت المقدس وهو إن جهلت حاله

فقد رواه ابو داود وسكت عنه وهذا يدل على ان الذي أنكره انس من تغيير الصلاة هو شدة تطويل الأئمة لها وإلا تناقضت احاديث أنس ولهذا جمع بين الإيجاز والإتمام # وقوله ما صليت وراء إمام أخف صلاة ولا أتم من رسول الله ظاهر في إنكاره التطويل وقد جاء هذا مفسرا عن انس نفسه # فروى النسائي رقم 981 من حديث العطاف بن خالد عن زيد بن اسلم قال دخلنا على انس بن مالك فقال أصليتم فقلنا نعم قال يا جارية هلمي لي وضوءا ما صليت وراء إمام قط أشبه بصلاة رسول الله من إمامكم هذا قال زيد وكان عمر بن عبدالعزيز يتم الركوع والسجود ويخفف القيام والقعود وهو حديث صحيح # وقد صرح به عمران بن الحصين لما صلى خلف علي بالبصرة قال عمران لقد ذكرني هذا صلاة رسول الله البخاري رقم 826 وكانت صلاة النبي معتدلة كان يخفف القيام والقعود ويطيل الركوع والسجود وهو حديث صحيح راجع البخاري رقم 826 مسلم رقم 393 # وفي الصحيحين البخاري رقم 705 مسلم رقم 465 عن جابر بن عبدالله ان النبي قال لمعاذ لما طول بقومه في العشاء الآخرة أفتان انت او قال افاتن انت ثلاث مرات فلولا صليت ب87 سورة ( ^ سبح اسم ربك الأعلى ) 91 سورة ( ^ والشمس وضحها ) 92 سورة ( ^ والليل إذا يغشى ) فإنه يصلي وراءك الكبير والصغير والضعيف وذو الحاجة # معاذ بن عبدالله الجهني أن رجلا من جهينة أخبره أنه سمع

رسول الله يقرأفي الصبح 99 سورة ( ^ زلزلت الارض ) في الركعتين كلتيهما فلا ادري سها رسول الله ام قرأ ذلك عمدا رواه أبو داود رقم 816 # وفي صحيح مسلم رقم 456 عن عمرو بن حريث أنه سمع النبي يقرأ في الفجر 92 سورة ( ^ واليل إذا يغشى ) # وعن عقبة بن عامر قال كنت أقود برسول الله ناقته فقال لي ألا أعلمك سورتين لم يقرأ بمثلهما قلت بلى فلعمني 114 سورة ( ^ قل اعوذ برب الناس ) و113 سورة ( ^ اعوذ برب الفلق ) فلم يرني أعجب بهما نزل الصبح قرأ بهما ثم قال كيف رأيت يا عقبة أبو داود رقم 1462 النسائي 8\ 252 ر # وفي رواية ألا أعلمك خير سورتين قرئنا قلت بلى قال 113 سورة ( ^ أعوذ برب الفلق ) و141 سورة ( ^ اعوذ برب الناس فلما نزل صلى بهما الغداة قال كيف ترى يا عقبة رواه الإمام أحمد 4\ 150 153 أبو داود رقم 1462 النسائي 8/252 # وفي رواية ألا اعلمك خير سورتين قرئتا قلت بلى قال 113 سورة ( ^ قل أعوذ برب الفلق ) و 114 سورة ( ^ اعوذ برب الفلق ) فلما نزل صلى بهما الغداة قال كيف ترى يا عقبة رواه الإمام احمد 4/153-150 وأبو داود رقم 1462 # وفي مسند الإمام أحمد 4/264 وسنن النسائي رقم 1305 من حديث عمار بن ياسر أنه صلى صلاة فأوجز فيها فأنكروا عليه فقال ألم أتم الركوع والسجود قالوا بلى قال اما اني دعوت فيها بدعاء كان رسول الله يدعو به اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق احيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الغضب والرضا والقصد في الفقر والغنى ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك وأعوذ بك من ضراء مضرة ومن فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين

# قالوا فأين هذه من الأحاديث التطويل صحة وكثرة وصراحة وحينئذ فيتعين حملها على انها في اول الاسلام لما كان في المصلين قله فلما كثروا واتسعت رقعة الاسلام شرع التخفيف وامر به لانه ادعى إلى القبول ومحبة العبادة فيدخل فيها برغبة ويخرج منها باشتياق ويندر بها الوسواس فإنها متى طالت استولى الوسواس فيها على المصلي فلا يفي ثواب إطالته بنقصان أجره # قالوا وكيف يقاس على رسول الله غيره من الائمة من محبة الصحابة له والقيام خلفه لسماع صوته بالقرآن غضا كما أنزل وشدة رغبة القوم في الدين وإقبال قلوبهم على الله وتفريغها له في العبادة ولهذا قال إن منكم منفرين ولم يكونوا ينفرون من طول صلاته فالذي كان يحصل للصحابة خلفه في الصلاة كان يحملهم على ان يروا صلاته وإن طالت خفيفة على قلوبهم وأبدانهمم فإن الإمام محمل المأمومين بقلبه وخشوعه وصوته وحاله فإذا عرى من ذلك كله كان كلا على المأمومين وثقلا عليهم فليخفف من ثقله عليهم ما أمكنه لئلا يبغضهم الصلاة # وقد ذم رسول الله الخوارج لشدة تنطعهم في الدين وتشددهم في العبادة بقوله يحقر احدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم البخاري رقم 3610 مسلم رقم 1064 # الرفق واهله واخبر عن محبة الله له وأنه يعطي عليه ما لا يعطي علىالعنف وقال لن يشاد الدين احدا إلا غلبة البخاري رقم 39 وقال إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق مسند أحمد 3/199 فالدين كله في الاقتصاد في السبيل والسنة والله تعالى يحب ما

دوام عليه العبد من الأعمال والصلاة القصد هي التي يمكن المداومة عليها دون المتجاوزة في الطول
 فصل في أدلة القائلين بتطويل الصلاة
 # قال المكملون للصلاة اهلا وسهلا بكل ما جاء عن رسول الله فعلى الرأس والعينين وهل ندندن إلا حول الاقتداء به ومتابعة هديه وسنته ولا نضرب سنته بعضها ببعض ولانأخذ منها ما سهل ونترك منها ما شق علينا لكسل وضعف عزيمة واشتغال بديمنا قد ملأت القلوب وملكت الجوارح وقرت بها العيون بدل قرتها بالصلاة فصارت احاديث الرخصة في حقها شبهة صادفت شهوة وفتورا في العزم وقلة رغبة في بذل الجهد في النصحية في الخدمة واستسهلت في حق الله تعالى وجعلت كرمه وغناه من اعظم شبهاتها في التفريط فيه وإضاعته وفعله بالهوينا تحلة القسم ولهجت بقولها ما استقصى كريم حقه قط وبقولها حق الله مبني على المسامحة والمساهلة والعفو وحق العباد مبني على الشح والضيق والاستقصاء فقامت في خدمة المخلوقين كأنها على الفرش الوثيرة والمراكب الهينة وقامت في حق خدمة ربها وفاطرها كأنها على الجمر المحرق تعطيه الفضلة من قواها وزمانها وتستوفي لأنفسها كمال الحظ ولم تحفظ من السنة إلا افتان انت يا معاذ البخاري رقم 705 مسلم رقم 465 وأيها الناس إن منكم منفرين البخاري رقم 704 مسلم رقم 466 ووضع الحديث على غير موضعه ولم تتأمل ما قبله وما بعده ومن لم تكن قرة عينه في الصلاة ونعيمه وسروره ولذته


فيها وحياة قلبه وانشراح صدره فإنه لا يناسبه إلا هذا الحديث وأمثاله بل لا يناسبه إلا صلا2ة السراق والنقارين فنقرة الغراب أولى به من استفراغ وسعه في خدمة رب الارباب وحديث أفتان انت يامعاذ البخاري رقم 705 مسلم رقم 465 الذي لم يفهمه أولى به من ح4ديث كانت صلاة الظهر تقام فينطلق أحدنا إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي أهله فيتوضأ ثم يدرك رسول الله في الركعة الأولى مسلم رقم 454 وحديث صلاته الصبح بالمعوذتين ابو داود رقم 1462 وكان هذا في السفر اولى به من حديث صلاته في الحضر بمئة آية إلى مئتين وحديث صلاته المغرب 112 سورة ( ^ قل هو الله أحد ) و 109 سورة ( ^ قل يأيها الكافرون ) الذي انفرد ابن ماجة رقم 833 برواية أولى به من الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه إن رسول الله قرأ فيها بطولي الطوليين وهي الأعراف البخاري رقم 764 أبو داود رقم 812 فهو يميل من السنة إلى ما يناسبه ويأخذ منها بما يوافقه ويتلطف لمن خشن في تأويل ما يخالفه ودفعه بالتي هي أحسن # ونحن نبرأ إلى الله من سلوك هذه الطريقة ونسأله ان يعافبنا مما ابتلى به أربابها بل ندين الله بكل ما صح عن رسوله ولا نجعل بعضه لنا وبعضه علينا فنقر ما لنا على ظاهره ونتأول ما علينا على خلاف ظاهره بل الكل لنا لا نفرق بين شيء من سننه بل نتلقاها كلها بالقبول ونقابله بالسمع والطاعة ونتبعها أين توجهت ركائبها وننزل معها اين نزلت مضاربها فليس الشأن في الاخذ ببعض سنة رسول الله وترك بعضها بل الشأن في الأخذ بجملتها وتنزيل كل شيء منها منزلته ووضعه بموضعه # وبالله التوفيق الإيجاز والتخفيف المأمور به والتطويل المنهي

عنه لا يمكن ان يرجع فيه إلى عادة طائفة وأهل بلد واهل مذهب ولا إلى شهوة المأمومين ورضاهم ولا إلى اجتهاد الأئمة الذين يصلون بالناس ورأيهم في ذلك فإن ذلك لا ينضنبط وتضطرب فيه الآراء والإرادات اعظم اضطراب ويفسد وضع الصلاة ويصير مقدارها تبها لشهوة الناس ومثل هذا لا تأتي به شريعة بل المرجع في ذلك والتحاكم إلى ما كان يفعله من شرع الصلاة للأمة وجاءهم بها من عند الله وعلمعم حقوقها وحدودها وهيآتها وأركانها وكان يصلي وراءه الضعيف والكبير والصغير وذو الحاجة ولم يكن بالمدينة إمام غير صلوات الله وسلامه عليه فالذي كان يفعله صلوات الله عليه وسلامه ( ^ وما أريد ان اخالفكم إلى ما أنهكم عنه ) 11 سورة هود / الآية 88 # وقد سئل بعض أصحاب رسول الله فقال ما لك في ذلك من خير فأعاها عليه فقال كانت صلاة الظهر تقام فينطلق أحدنا إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي أهله فيتوضأ ثم يرجع إلى المسجد ورسول الله في الركعة الأولى مما يطولها رواه مسلم في الصحيح رقم 454 # وهذا يدل على ان الذي أنكره ابو سعيد وانس وعمران بن الحصين والبراء بن عازب إنما هو حذف الصلاة والاختصار فيها والاقتصار على بعض ما كان رسول الله يفعله ولهذا لما صلى بهم أنس قال إني لا الو أن أصلس بكم صلاة رسول الله قال ثابت فكان انس يصنع شيئا لا اراكم تصنعونه كان إذا انتصب قائما يقوم 2حتى يقول القائل قد اوهم وإذا جلس بين السجدتين مكث حتى يقول القائل قد اوهم ابو داود رقم 853 فهذا مما انكره انس على الائمة حيث كانوا يقصرون

هذين الركنين كما انكر عليهم تقصير الركوع والسجود واخبر ان اشبههم صلاة برسول الله عمر بن عبدالعزيز فحزروا تسبيحه في الركوع والسجود عشرا عشرا # ومن المعلوم أنه لم يكن يسبحها هذا مسرعا من غير تدبر فحالهم اجل من ذلك وقد بلى انس بمن وهمه في ذلك كما بلى بمن وهمه في روايته ترك رسول الله في صلاته الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وقالوا كان صغيرا يصلي وراء الصفوف فلم يكن يسمع جهرة بها وكما بلى بمن وهمه في إحرام رسول الله بالحج والعمرة معا وقالوا كان بعيدا منه لا يسمع إحرامه حتى قال لهم ما تعدونني إلا صبيا كنت تحت بطن ناقة رسول الله فسمعته يهل بهما جميعا # وقدم رسول الله المدينة ولأنس عشر سنين فخدمه واختص به وكان يعد من اهل بيته وكان غلاما كيسا فطنا وتوفي رسول الله وهو رجل كامل له عشرون سنة ومع هذا كله فيغلط على رسول الله في قراءته وقدر صلاه وكيفية إحرامه ويستمر غلطة على خلفائه الراشدين من بعده ويستمر على صلاته في مؤخر المسجد حيث لا يسمع قراءة احد منهم # وقد اتفق الصحابة على ان صلاة رسول الله كانت معتدلة فكان ركوعه ورفعه منه وسجوده ورفعه منه مناسبا لقيامه فإذا كان يقرأ في الفجر بمئة آية إلى ستين آية فلا بد ان يكون ركوعه وسجوده مناسبا لذلك ولهذا قال البراء ابن عازب إن ذلك كله كان قريبا من السواء

# وقال عمران بن حصين كانت صلاة رسول الله معتدلة وكذلك قيامه بالليل وصلاة الكسوف # وقال عبدالله بن عمر إن كان رسول الله ليأمرنا بالتخفيف وإن كان ليؤمنا بالصافات رواه الإمام أحمد المسند 2/26 والنسائي رقم 836 # فهذا امره وهذا فعله المفسر له لا ما يظن الغالط المخطيء انه كان يأمرهم بالتخفيف ويفعل هو خلاف ما امر به وقد امر صلاة الله وسلامه عله الائمة ان يصلوا بالناس كما كان يصلي بهم # ففي الصحيحين البخاري رقم 7246 مسلم رقم 674 عن مالك بن الحويرث قال أتينا رسول الله ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رسول الله رحيما رفيقا فظن انا قد اشتقنا اهلنا فسألنا عمن تركنا من اهلنا فأخبرناه فقال ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم فليصلوا صلاة كذا في مين وصلاة كذا في حين كذا وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم احدكم وليؤمكم اكبركم وصلوا كما رأيتموني اصلي والسياق للبخاري # فهذا خطاب للأئمة قطعا وإن لم يختص بهم فإذا امرهم ان يصلوا بصلاته وامرهم بالتخفيف علم بالضرورة أن الذي كان يفعله هو الذي امر به يوضح ذلك أنه ما من فعل في الغالب إلا وقد يسمى خفيفا بالنسبة إلى ما هو أطول منه ويسمى طويلا بالنسبة الى ماهو اخف منه فلا حد له في اللغة يرجع فيه إليه وليس من الافعال العرفية التي يرجع فيها إلى العرف

كالحرز والقبض وإحياء الموات والعبادات يرحع إلى الشارع في مقاديرها وصفاتها وهيآتها كما يرجع إليه في أصلها فلو جاز الرجوع في ذلك إلى عرف الناس وعوائدهم في مسمى التخفيف والإيجاز لاختلفت أوضاع الصلاة ومقاديرها اختلافا متباينا لا ينضبط ولهذا لما فهم بعض من نكس الله قلبه أن التخفيف المأمور به هو ما يمكن من التخفيف اعتقد ان الصلاة كلما خفت واوجزت كانت افضل فصار كثير منهم يمر فيها مر السهم ولا يزيد على الله أكبر في الركوع والسجود بسرعة ويكاد سجوده يسبق ركوعه وركوعه يكاد يسبق قراءته وربما ظن الاقتصار على تسبيحه واحدة أفضل من ثلاث # عن بعض هؤلاء انه رأى غلاما له يطمئن في صلاته فضربه وقال لو بعثك السلطان في شغل أكنت تبطيء في شغله مثل هذا الأبطاء وهذا كله تلاعب بالصلاة وتعطيل لها وخداع من الشيطان وخلاف لأمر الله ورسوله حيث قال تعالى ( ^ واقيموا الصلاة ) 2 سورة البقرة / الآية 43 و 6 سورة الأنعام / الآية 72 فأمرنا بإقامتها وهو الإتيان بها قائمة تامة القيام والركوع والسجود والأذكار وقد علق الله سبحانه الفلاح بخشوع المصلى في صلاته فمن خشوع الصلاة لم يكن من أهل الفلاح ويستحيل حصول الخشوع مع العجلة والنقر قطعا بل لا يحصل الخشوع قط إلا مع الطمأنينة وكلما زاد طمأنينة ازداد خشوعا وكلما قل خشوعة اشتدت عجلته حتى تصير حركة يديه بمنزلة العبث الذي لا يصحبه خشوع ولا اقبال علىالعبودية ولا معرفة حقيقة العبودية والله سبحانه قد قال ( واقيموا الصلاة ) 2 سورة البقرة / الآية 43 وقال ( ^ الذين يقيمون الصلوة ) 2 سورة المائدة / الآية 55 وقال ( ^ واقم الصلاة ) 11 سورة هود / الآية 114 وقال ( ^ فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة ) 4 سورة

النساء / الآية 103 وقال ( ^ والمقيمين الصلاة ) 4 سورة السناء / الآية 162 وقال ابراهيم عليه السلام ( ^ رب اجعلني مقيم الصلاة ) 14سورة إبراهيم / الآية 40 وقال لموسى ( ^ فاعبدني واقم الصلاة لذكري ) 20 سورة طه / الآية 14 فلن تكاد تجد ذكر الصلاة في موضع من التنزيل إلا مقرونا بإقامتها فالمصلون في الناس قليل ومقيم الصلاة منهم اقل القليل كما قال عمر رضي الله عنه الحاج قليل والركب كثير # فالعاملون يعملون الأعمال المأمور بها على الترويج تحلة القسم ويقولون يكفينا أدنى ما يقع عليه الاسم وليتنا نأتي به ولو علم هؤلاء ان الملائكة تصعد بصلاتهم فتعرضها على ال جل جلاله بمنزلة الهدايا التي يتقرب بها الناس إلى ملوكهم وكبرائهم فليس من عمد إلى افضل ما يقدر عليه فيزينه ويحسنه ما استطاع ثم يتقرب به إلى من يرجوه ويخافه قمت يعمد إلى اسقط ما عنده واهونه عليه فيستريح منه ويبعثه إلى من لا يقع عنده بموقع # وليس من كانت الصلاة ربيعا لقلبه وحياة له وراحة وقرة لعينه وجلاء لحزنه وذهابا لهمه وغمه ومفزعا له إليه في نوائبه ونوازله كمن هي سحت لقلبه وقيد لجوارحه وتكليف له وثقل عليه فهي كبيرة على هذا وقرة عين وراحة لذلك # وقال تعالى ( ^ واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون انهم ملقوا ربهم وأنهم إليه راجعون ) 2 سورة البقرة / الآيتان 45 و 46 فإنما كبرت على غير هؤلاء لخلو قلوبهم من محبة الله تعالى وتكبيره وتعظيمه والخشوع له وقلة رغبتهم فيه فإن حضور العبد في الصلاة

وخشوعه فيها وتكميله لها واستفراغه وسعة في إقامتها وإتمامها على قدر رغبته في الله # قال الامام احمد في رواية مهنا بن يحيى إنما حظهم من الاسلام على قدر حظهم من الصلاة ورغبتهم في الاسلام على قدر رغبتهم في الصلاة فاعرف نفسك يا عبدالله واحذر ان تلقى الله عز وجل ولا قدر للاسلام عندك فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك طبقات الحنابلة 1/354 # وليس حظ القلب العامر بمحبة الله وخشيته والرغبة فيه وإجلاله وتعظيمه من الصلاة كحظ القلب الخالي الخراب من ذلك فإذا وقف الاثنان بين يدي الله في الصلاة وقف هذا بقلب مخبت خاشع له قريب منه سليم من معارضان السوء قد امتلأت ارجاؤه بالهيبة وسطع فيه نور الايمان وكشف عنه حجاب النفس ودخان الشهوات فيرتع في رياض معاني القرآن وخالط قلبه بشاشة الإيمان بحقائق الاسماء والصفات وعلوها وجمالها وكمالها الاعظم وتفرد الرب سبحانه بنعوت جلاله وصفات كماله فاجتمع همه على الله وقرت عينه به واحسن بقربه من الله قربا لا نظير له ففرغ قلبه له واقبل عليه بكليته وهذا الاقبال منه بين اقبالين من ربه فإنه سبحانه اقبل عليه اولا فانجذب قلبه إليه بإقباله فلما اقبل على ربه حظي منه بإقبال آخر اتم من الأول
 أسرار الصلاة
 # وها هنا عجيبة من عجائب الاسماء والصفات تحصل لمن تفقه قلبه في


معاني القرآن وخالط بشاشة الإيمان بها قلبه بحيث يرى لكل اسم وصفة موضعا من صلاته ومحلا منها # فإنه إذا انتصب قائما بين يدي الرب تبارك وتعالة شاهد بقلبه قيوميته # وإذا قال الله اكبر شاهد كبرياءه # وإذا قال سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك شاهد بقلبه ربا منزها عن كل عيب سالما من كل نقص محمودا بكل حمد فحمده يتضمن وصفه بكل كمال وذلك يستلزم براءته من كل نقص تبارك اسمه فلا يذكر على قليل إلا كثرة وعلى خير إلا أنماه وبارك فيه ولا على آفة إلا أذهبها ولا على شيطان ْإلا رده خاسئا داحرا # وكمال الاسم من كمال مسماه فإذا كان شأن اسمه الذي لا يضر معه شيء في الأرض ولا في السماء فشأن المسمى اعلى واجل # وتعالى جده اي ارتفعت عظمته وجلت فوق كل عظمة وعلا شأنه على كل شأن وقهر سلطانه على كل سلطان فتعالى جده أن يكون معه شريك في ملكه وربوبيته أو في الهيته او في افعاله او في صفاته كما قال مؤمن الجن ( ^ وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ) 72 سورة الجن / الآية 3 فكم من هذه الكلمات من تجل لحقائق الأسماء والصفات على قلب العارف بها غير المعطل لحقائقها # وإذا قال اعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقد اوى إلى ركنه الشديد واعتصم بحوله وقوته من عدوه الذي يريد ان يقطعه عن ربه ويبعده عن قربه ليكون اسوأ حالا


 أسرار الفاتحة
 # فإذا قال ( ^ الحمد لله رب العالمين ) 1 سورة الفاتحة / الآية 2 وقف هنيهة يسيرة ينتظر جواب ربه له بقوله حمدني عبدي فإذا قال ( ^ الرحمن الرحيم ) 1 سورة الفاتحة / الآية 3 انتظر الجواب بقوله اثنى علي عبدي فإذا قال ( ^ ملك يوم الدين ) 1 سورة الفاتحة / الآية 4 انتظر جوابه يمجدني عبدي فيا لذة قلبه وقرة عينه وسرور نفسه بقول ربه عبدي ثلاث مرات فوالله لولا ما على القلوب من دخان الشهوات وغيم النفوس لاستطيرت فرحا وسرورا بقول ربها وفاطرها ومعبودها حمدني عبدني واثنى علي عبدي ومجدني عبدي ثم يكون لقلبه مجال من شهود هذه الأسماء الثلاثة التي هي اصول الاسماء الحسنى وهي الله والرب الرحمن فشاهد قلبه من ذكر اسم الله تبارك وتعالى إلها معبودا موجودا مخوفا لا يستحق العبادة غيره ولا تنبغي إلا له قد عنت له الوجوه وخضعت له الموجودات وخشعت له الأصوات ( ^ تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) 17 سورة الإسراء / الآية 44 ( ^ وله من في السموات والارض كل له قانتون ) 30 سورة الروم / الآية 26 وكذلك خلق السموات والارض وما بينهما وخلق الجن والانس والطير والوحش والجنة والنار وكذلك ارسل الرسل وانزل الكتب وشرع الشرائع والزم العباد الامر والنهي # وشاهد من ذكر اسمه ( رب العلمين ) 1 سورة الفاتحة / الآية 2 قيوما قام بنفسه وقام به كل شيء فهو قائم على كل نفس بخيرها وشرها قد استوى على عرشه وتفرد بتدبير ملكه فالتدبير كله بيديه ومصير الامور كلها ْإليه فمراسيم التدبيرات نازلة من عنده على ايدي


ملائكته بالعطاء والمنع والخفض والرفع والاحياء والاماتة والتوبة والعزل والقبض والبسط وكشف الكروب وإغاثة الملهوفين وإجابة المضطرين ( ^ يسئله من في السموات والارض كل يوم هو في شأن ) 55 سورة الرحمن / الآية 29 لا مانع لما اعطى ولا معطي لما منع ولا معقب لحكمه ولا راد لأمره ولا مبدل لكلماته تعرج الملائكة والروح إليه وتعرض الاعمال اول النهار وآخره عليه فيقدر المقادير ويوقت المواقيت ثم يسوق المقادير إلى مواقيتها قائما بتدبير ذلك كله وحفظه ومصالحه # يشهد عند ذكر اسم ( ^ الرحمن ) 1 سورة الفاتحة / الآية 3 جل جلاله ربا محسنا إلى خلقه بأنواع الاحسان متحببا إليهم بصنوف النعم وسع كل شيء رحمة وعلما واوسع كل مخلوق نعمة وفضلا فوسعت رحمته كل شيء ووسعت نعمته كل حي فبلغت رحمته حيث بلغ علمه فاستوى على عرشه برحمته وخلق خلقه برحمته وأنزل كتبه برحمته وأرسل رسله برحمته وشرع شرائعه برحمته وخلق الجنة برحمته والنار ايضا برحمته فإنها سوطه الذي يسوق به عباده المؤمنين إلى جنته ويطهر بها ادران الموحدين من اهل معصيته وسجنه الذي يسجن فيه اعداءه من خليقته فتأمل ما في امره ونهيه ووصاياه ومواعيظه من الرحمة البالغة والنعمة السابغة وما في حشوها من الرحمة والنعمة فالرحمة هي السبب المتصل منه بعبادة كما ان العبودية هي السبب المتصل منهم به فمنهم إليه العبودية ومنه إليهم الرحمة ومن اخص مشاهد هذا الاسم شهود المصلي نصيبه من الرحمة الذي اقامه بها بين يدي ربه واهله لعبوديته ومناجاته واعطاه ومنع غيره واقبل بقلبه واعرض بقلب غيره وذلك من رحمته به # فإذا قال ( ^ مالك يوم الدين ) 1 سورة الفاتحة / الآية 4

فهنا شهد المجد الذي لا يليق بسوى الملك الحق المبين فيشهد ملكا قاهرا قد دانت له الخليفة وعنت له الوجوه وذلت لعظمته الجبابرة وخضع لعزته كل عزيز فيشهد بقلبه ملكا على عرش السماء مهيمنا لعزته تعنو الوجوه وتسجد وإذا لم تعطل حقيقة صفة الملك اطلعته على شهود حقائق الاسماء والصفات التي تعطيلها تعطيل لملكه وجحد له فإن الملك الحق التام الملك لا يكون إلا حيا قيوما سميعا بصيرا مدبرا قادرا متكلما آمرا ناهيا مستويا على سرير مملكته يرسل إلى اقاصي مملكته بأوامره فيرضى على من يستحق الرضا ويثيبه ويكرمه ويدنيه ويغضب على من يستحق الغضب ويعاقبه ويهينه ويقصيه فيعذب من يشاء ويرحم من يشاء ويعطى من يشاء ويقرب من يشاء ويقضى من يشاء له دار عذاب وهي النار وله دار سعادة عظيمة وهي الجنة فمن ابطل شيئا من ذلك او جحده وانكر حقيقته فقد قدح في ملكه سبحانه وتعالى ونفى عنه كماله وتمامهوكذلك من أنكر عموم قضائه وقدره فقد أنكر عموم ملكه وكماله فيشهد المصلي مجد الرب تعالى في قوله ( ^ ملك يوم الدين ) 1 سورة الفاتحة/ الآية 4 # فإذا قال ( ^ اياك نعبد وإياك نستعين ) 1 سورة الفاتحة / الآية 5 ففيها سر الخلق والامر والدنيا والآخرة وهي متضمنة لأجل الغايات وافضل الوسائل فأجل الوسائل فأجل الغايات عبوديته وافضل الوسائل إعانته فلا معبود يستحق العبادة إلا هو ولا معين على عبادته غيره فعبادته اعلى الغايات وإعانته اجل الوسائل وقد انزل الله سبحانه وتعالى مئة كتاب واربعة كتب جمع معانيها في اربعة وهي التوراة والانجيل والقرآن والزبور معانيها في القرآن وجمع معانيه في المفصل

وجمع معانيه في الفاتحة وجمع معانيها في ( ^ إياك نعبد وإياك نستعين ) 1 سورة الفاتحة / الآية 5 وقد اشتملت هذه الكلمة على نوعي التوحيد وهما توحيد الربوبية وتوحيد الالهية وتضمنت التعبد باسم الرب واسم الله فهو يعبد بألوهيته ويستعان بربوبيته ويهديإلى الصراط المستقيم برحمته فكان اول السورة ذكر اسمه الله والرب والرحمن تطابقا لاجل الطالب من عبادته وإعانته وهدايته وهو المنفرد بإعطاء ذلك كله لا يعين على عبادته سواه ولا يهدي سواه # ثم يشهد الداعي بقوله ( ^ اهدنا الصراط المستقيم ) 1 سورة الفاتحة / الآية 6 شدة فاقته وضرورته إلى هذه المسألة التي ليس هو الى شيء اشد فاقة وحاجة منه إليهاالبتة فإنه محتاج اليه في كل نفس وطرفة عين وهذا المطلوب من هذا الدعاء لا يتم إلا بالهدية إلى الطريق الموصل إليه سبحانه والهداية فيه وهي هداية التفصيل وخلق القدرة على الفعل وإرادته وتكوينه وتوقيعه لإيقاعه له على الوجه الرمضي المحبوب للرب سبحانه وتعالى وحفظه عليه من مفسداته حال فعله وبعد فعله # ولما كان العبد مفتقرا في كل حال إلى هذه الهداية في جميع ما يأتيه ويذره من امور قد اتاها على غير الهداية فهو يحتاج إلى التوبة منها وامور هدي إلى اصلها دون تفصيلها اوهدي إليها من وجه دون وجه فهو يحتاج إلى إتمام الهداية فيها ليزداد هدى وامور هو يحتاج إلى ان يحصل له من الهداية فيها بالمستقبل مثل ما حصل له في الماضي وامور هو خال عن اعتقاد فيها فهو يحتاج إلى الهداية فيها وامور لم يفعلها فهو يحتاج إلى فعلها على وجه الهداية وامور قد هدي إلى الاعتقاد الحق والعمل الصواب فيها فهو محتاج إلى الثبات عليها إلى غير ذلك من انواع

الهدايات فرض الله سبحانه عليه ان يسأله هذه الهداية في افضل احواله مرات متعددة في اليوم والليلة # ثم بين ان أهل هذه الهداية هم المختصون بنعمتة دون ( ^ المغضوب عليهم ) وهم الذين عرفوا الحق ولم يتبعوه ودون ( ^ الضالين ) وهم الذين عبدوا الله بغير علم فالطائفتان اشتركتا في القول في خلقه وامره واسمائه وصفاته بغير علم فسبيل المنعم عليه مغايرة لسبيل اهل الباطل كلها علما وعملا # فرغ من هذا الثناء والدعاء والتوحيد شرع له ان يطبع على ذلك بطابع من التأمين يكون كالخاتم له وافق فيه ملائكة السماء وهذا التأمين من زينة الصلاة كرفع اليدين الذي هو زينة الصلاة واتباع للسنة وتعظيم امر الله وعبودية اليدين وشعار الانتقال من ركن إلى ركن # ثم يأخذ في مناجاة ربه بكلامه واستماعه من الامام بالانصات وحضور القلب وشهوده # وأفضل اذكار الصلاة ذكر القيام واحسن هيئة المصلي هيئة القيام فخصت بالحمد والثناء والمجد وتلاوة كلام الرب جل جلاله ولهذا نهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود لأنهما حالتا ذل وخضوع وتطامن وانخفاض ولهذا شرع فيهما من الذكر ما يناسب هيئتهما فشرع للراكع ان يذكر عظمة ربه في حال انخفاضه هو وتطامنه وخضوعه وأنه سبحانه يوصف بوصف عظمته عما يضاد كبرياءه وجلاله وعظمته # فأفضل ما يقول الراكع على الاطلاق سبحان ربي العظيم فإن الله سبحانه امر العباد بذلك وعين المبلغ عنه السفير بينه وبين عباده هذا المحل لهذا الذكر لما نزلت ( ^ فسبح باسم ربك العظيم ) 56 سورة

الواقعة / الآية 96 قال اجعلوها في ركوعكم ابو داود رقم 869 وابطل كثير من اهل العلم صلاة من تركها عمدا واوجب سجود السهو على من سها عنها وهذا مذهب الامام أحمد ومن وافقه من ائمة الحديث والسنةوالامر بذلك لا يقصر عن الامر بالصلاة عليه في التشهد الاخير ووجوبه لا يقصر عن وجوب مباشرة المصلي بالجبهة واليدين # وبالجملة فسر الركوع تعظيم الرب جل جلاله بالقلب والقالب والقول ولهذا قال النبي أما الركوع فعظموا فيه الرب مسلم رقم 479
 فصل في الرفع من الركوع
 # يرفع رأسه عائدا إلى اكمل حديثه وجعل شعار هذا الركن حمد الله الثناء عليه وتحميده فافتتح هذا الشعار بقول المصلي سمع الله لمن حمده اي سمع سمع قبول وإجابة ثم شفع بقوله ربنا ولك الحمد ملء السموات والارض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء ولا يهمل امر هذه الواو في قوله ربنا ولك الحمد فإنه قد ندب الامر بها في الصحيحين البخاري رقم 734 مسلم رقم 392 وهي تجعل الكلام في تقدير جملتين قائمتين بأنفسهما فإن قوله ربنا متضمن في المعنى انت الرب والملك القيوم الذي بيديه ازمة الامور وإليه مرجعها فعطف على هذا المعنى المفهوم من قوله ربنا قوله ولك الحمد فتضمن ذلك معنى قول الموحد له الملك وله الحمد


# ثم أخبر عن شأن هذا الحمد وعظمته قدرا وصفة فقال ملء السموات وملء الارض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء اي قدر ملء العالم العلوي والسفلي والفضاء الذي بينهما فهذا الحمد قد ملأ الخلق الموجود وهو يملأ ما يخلقه الرب تبارك وتعالى بعد ذلك ما يشاؤه فحمده قد ملأ كل موجود وملأ ما سيوجد فهذا احسن التقديرين وقيل ما شئت من شيء وراء العالم فيكون قوله بعد للزمان على الأول والمكان على الثاني # اتبع ذلك بقوله اهل الثناء والمجد فعاد الامر بعد الركعة إلى ما افتتح به الصلاة قبل الركعة من الحمد والثناء والمجد ثم اتبع ذلك بقوله احق ما قال العبد تقريرا لحمده وتمجيده والثناء عليه وان ذلك احق ما نطق به العبد ثم اتبع ذلك بالاعتراف بالعبودية وان ذلك حكم عام لجميع العبيد ثم عقب ذلك بقوله لا مانع لما اعطيت ولامعطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد وكان يقول ذلك بعد انقضاء الصلاة ايضا فيقوله في هذين الموضعين اعترافا بتوحيده وان النعم كلها منه وهذا يتضمن امورا # احدها انه المنفرد بالعطاء والمنع # الثاني انه إذا اعطى لم يطق احد منع من اعطاه وإذا منع لم يطق احد إعطاء من منعه # الثالث أنه لاينفع عنده ولا يخلص من عذابه ولا يدني من كرامته جدود بني آدم وحظوظهم من الملك والرئاسة والغنى وطيب العيش وغير ذلك إنما ينفعهم عنده التقريب إليه بطاعته وإيثار مرضاته

# ثم ختم ذلك بقوله اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد كما افتتح به الركعة في اول الاستفتاح كما كان يختم الصلاة بالاستغفار وكان الاستغار في اول الصلاة ووسطها آخرها فاشتمل هذا الركن على افضل الاذكار وانفع الدعاء من حمده وتمجيده والثناء عليه والاعتراف له بالعبودية والتوحيد والتنصل إليه من الذنوب والخطايا فهو ذكر مقصود في ركن مقصود ليس بدون الركوع والسجود
 فصل في السجود
 # ثم يكبر ويخر لله ساجدا غير رافع يديه لأن اليدين تنحطان للسجود كما ينحط الوجه فهما ينحطان لعبوديتهما فأغنى ذلك عن رفعهما ولذلك لم يشرع رفعهما عند رفع الرأس من السجود لأنهما يرفعان معه كما يوضعان معه وشرع السجود على اكمل الهيئة وابلغها في العبودية واعمها لسائر الاعضاء بحيث يأخذ كل جزء من البدن بحظه من العبودية # والسجود سر الصلاة وركنها الاعظم وخاتمة الركعة وما قبله من الاركان كالمقدمات له فهو شبه طواف الزيارة في الحج فإنه مقصود الحج ومحل الدخول على الله وزيارته وما قبله كالمقدمات له ولهذا اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد مسلم رقم 482 # وافضل الاحوال له حال يكون فيها اقرب إلى الله ولهذا كان الدعاء في هذا المحل اقرب إلى الإجابة # خلق الله سبحانه العبد من الارض كان جديرا بأن لا يخرج عن


أصله بل يرجع إليه إذا تقاضاه الطبع والنفس بالخروج عنه فإن العبد لو ترك لطبعه ودواعي نفسه لتكبر واشر وخرج عن اصله الذي خلق منه ولوثب على حق ربه من الكبرياء والعظمة فنازعه أياهما وامر بالسجود خضوعا لعظمة ربه وفاطره وخشوعا له وتذللابين يديه وانكسارا له فيكون هذا الخشوع والخضوع والتذلل ردا له إلى حكم العبودية ويتدارك ما حصل له من الهفوة والغفلة والاعراض الذي خرج به عن اصله فتمثل له حقيقة التراب الذي خلق منه # وهو يضع اشرف شيء منه واعلاه وهو الوجه وقد صار اعلاه اسفله خضوعا بين يدي ربه الاعلى وخشوعا له وتذللا لعظمته واستكانة لعزته وهذا غاية خشوع الظاهر فإن الله سبحانه خلقه من الارض التي هي مذللة للوطء بالاقدم واستعمله فيها ورده إليها ووعده بالاخراج منها فهي امه وابوه واصله وفصله فضمته حيا على ظهرها وميتا في بطنها وجعلت له طهرا ومسجدا فأمر بالسجود إذ هو غاية خشوع الظاهر وأجمع العبودية لسائر الاعضاء فيعفر وجهه في التراب استكانة وتواضعا وخضوعا وإلقاء باليدين # وقال مسروق لسعيد بن جبير ما بقي شيء يرغب فيه إلا ان نعفر وجوهنا في التراب له # وكان النبي لا يتقي الارض بوجهه قصدا بل إذا اتفق له ذلك فعله ولذلك سجد في الماء والطين البخاري رقم 813 مسلم رقم 1167 # ولهذا كان من كمال السجود الواجب أنه يسجد على الاعضاء السبعة الوجه واليدين والركبتين واطراف القدمين فهذا فرض امر الله به

رسول وبلغه الرسول لأمته ومن كماله الواجب او المستحب مباشرة مصلاه بأديم وجهه واعتماده على الارض بحيث ينالها ثقل رأسه وارتفاع اسافله على اعاليه فهذا من تمام السجود # ومن كماله ان يكون على هيئة يأخذ فيها كل عضو من البدن بحظه من الخضوع فيقل بطنه عن فخذيه وفخديه عن ساقيه ويجافي عضديه عن جنبيه ولا يفرشهما على الارض ليستقل كل عضو منه بالعبودية # ولذلك إذا رأى الشيطان ابن آدم ساجدا لله اعتزل ناحية يبكي ويقول يا ويله امر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وامرت بالسجود فعصيت فلي النار مسلم رقم 81 # ولذلك اثنى الله سبحانه على الذين يخرون !سجدا عند سماع كلامه وذم من لا يقع ساجدا عنده ولذلك كان قول من اوجبه قويا في الدليل ولما علمت السحرة صدق موسى وكذب فرعون خروا سجدا لربهم فكانت تلك السجدة اول سعادتهم وغفران ما افنوا فيه اعمارهم من السحر ولذلك اخبر سبحانه عن سجود جميع المخلوقات له فقال تعالى ( ^ ولله يسجد ما في السموات وما في الارض من دابة والملئكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ) 16 سورة النحل / الآيتان 49 و 50 فأخبر عن إيمانهم بعلوه وفرقيته وخضوعهم له بالسجود تعظيما وإجلالا # تعالى ( ^ الم تر ان الله يسجد له من السموات ومن في الارض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء ) 22 سورة الحج / الآية 18 فالذي حق عليه العذاب هو الذي لا يسجد به سبحانه وهو الذي اهانه

بترك السجود له واخبر انه لا مكرم له وقد هان على ربه حيث لم يسجد له وقال تعالى ( ^ ولله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها وظللهم في الغدو والآصال ) 13 سورة الرعد / الآية 15 # ولما كانت العبودية غاية كمال الانسان وقربه من الله بحسب نصيبه من عبوديته وكانت الصلاة جامعة لمتفرق العبودية متضمنة لاقسامها كانت افضل اعمال العبد ومنزلتها من الاسلام بمنزلة عمود الفسطاط منه وكان السجود افضل اركانها الفعلية وسرها الذي شرعت لأجله وكان تكرره في الصلاة اكثر من تكرر سائر الاركان وجعله خاتمة الركعة وغايتها وشرع فعله بعد الركوع فإن الركوع توطئة له ومقدمة بين يديه وشرع فيه من الثناء على الله ما يناسبه وهو قول العبد سبحان ربي الاعلى فهذا افضل ما يقال فيه ولم يرد عن النبي أمره في السجود بغيره حيث قال اجعلوها في سجودكم ومن تركه عمدا فصلاته باطلة عند كثير من العلماء منهم الامام احمد وغيره لأنه لم يفعل ما امر به وكان وصف الرب بالعلو في هذه الحال في غاية المناسبة لحال الساجد الذي قد انحط إلى السفل على وجهه فذكر علو ربه في حال سقوطه وهو كما ذكر عظمته في حال خضوعه في ركوعه ونزه ربه عما لايليق به مما يضاد عظمته وعلوه # ثم لما شرع السجود بوصف التكرار لم يكن بد من الفصل بين السجدتين ففصل بينهما بركن مقصود شرع فيه من الدعاء ما يليق به ويناسبه وهو سؤال العبد المغفرة والرحمة والهداية والعافية والرزق فإن

هذه تتضمن جلب خير الدنيا والآخرة ودفع شر الدنيا والآخرة فالرحمة تحصل الخير والمغفرة تقي الشر والهداية توصل إلى هذا وهذا والرزق إعطاء ما به قوام البدن من الطعام والشراب وما به قوام الروح والقلب من العلم والايمان وجعل جلوس الفصل محلا لهذا الدعاء لما تقدمه من رحمة الله والثناء عليه والخضوع له فكان هذا وسيلة للداعي ومقدمة بين يدي حاجته # فهذا الركن مقصود الدعاء فيه فهو ركن وضع للرغبة وطلب العفو والمغفرة والرحمة فإن العبد لما أتى بالقيام والحمد والثناء والمجد ثم اتى بالخضوع وتنزيه الرب وتعظيمه ثم عاد إلى الحمد والثناء ثم كمل ذلك بغاية التذلل والخضوع والاستكانة بقي سؤال حاجته واعتذاره وتنصله فشرع له ان يتمثل في الخدمة فيقعد فعل العبد الذليل جاثيا على ركبتيه كهيئة المقلي نفسه بين يدي سيده راغبا راهبا معتذرا إليه مستعديا إليه على نفسه الامارة بالسوء # ثم شرع له تكرير هذه العبودية مرة بعد مرة إلى إتمام الاربع كما شرع له تكرير الذكر مرة بعد مرة لانه ابلغ في حصول المقصود وادعى إلى الاستكانة والخضوع فلما أكمل ركوع الصلاة وسجودها وقراءتها وتسبيحها وتكبيرها شرع له ان يجلس في آخر صلاته جلسة المتخشع المتذلل المستكين جاثيا على ركبتيه ويأتي في هذه الجلسة باكمل التحيات وافضلها عوضا عن تحية المخلوق للمخلوق إذا واجهه او دخل عليه فإن الناس يحيون ملوكهم واكابرهم بأنواع التحيات التي يحيون بها قلوبهم فبعضهم يقول انعم صباحا وبعضهم يقول لك البقاء والنعمة وبعضهم يقول اطال الله بقاءك وبعضهم يقول تعيش الف عام وبعضهم يسجد

للملوك وبعضهم يسلم فتحياتهم بينهم تتضمن ما بحبه المحيى من الاقوال والافعال والمشركون يحيون اصنامهم # قال الحسن كان أهل الجاهلية يتمسحون بأصنامهم ويقولون لك الحياة الدائمة فلما جاء الاسلام امروا ان يجعلوا اطيب تلك التحيات وازكاها وافضلها لله # فالتحية هي تحية من العبد للحي الذي لا يموت وهوسبحانه اولى بتلك التحيات من كل ما سواه فإنها تتضمن الحياة والبقاء والدوام ولا يستحق احد هذه التحيات إلا الحي الباقي الذي لا يموت ولا يزول ملكه # وكذلك قوله والصلوات فإنه لا يستحق احد الصلاة إلا الله عز وجل والصلاة لغيره من اعظم الكفر والشرك به # وكذلك قوله والطيبات هي صفة الموصوف المحذوف اي الطيبات من الكلمات والافعال والصفات والاسماء لله وحده فهو طيب وافعاله طيبة وصفاته أطيب شيء واسماؤه أطيب الاسماء واسمه الطيب ولا يصدر عنه إلا طيب ولا يصعد إليه إلا طيب ولا يقرب منه إلا طيب وإليه يصعد الكلم الطيب وفعله طيب والعمل الطيب يعرج إليه فالطيبات كلها له ومضافة إليه وصادرة عنه ومنتهية إليه # قال النبي إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا مسلم رقم 1015 # وفي حديث رقية المريض الذي رواه أبو داود رقم 3892 وغيره أنت رب الطيبين ولا يجاوره من عبادة إلا الطيبون كما يقال لأهل الجنة ( ^ سلم عليكم طبتم فادخلوها خالدين ) 39 سورة الزمر / الآية

وقد حكم سبحانه شرعه وقدره ان الطيبات للطيبين فإذا كان هو سبحانه الطيب على الاطلاق فالكلمات الطيبات والافعال الطيبات والصفات الطيبات والاسماء الطيبات كلها له سبحانه لا يستحقها أحد سواه بل ما طاب شيء قط إلا بطيبته سبحانه فطيب كل ما سواه من آثار طيبته ولا تصلح هذه التحية الطيبة إلا له # ولما كان السلام من انواع التحية وكان المسلم داعيا لمن يحييه وكان الله سبحانه هو الذي يطلب منه السلام لعباده الذين اختصهم بعبوديته وارتضاهم لنفسه وشرع ان يبدأ بأكرمهم عليه واحبهم إليه واقربهم منه منزلة في هذه التحية بالشهادتين اللتين هما مفتاح الاسلام فشرع أن يكون خاتمة الصلاة فدخل فيها بالتكبير والحمد والثناء والتمجيد وتوحيد الربوبية والالهية وختمها بشهادة ان لا إله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله وشرعت هذه التحية في وسط الصلاة إذا زادت على ركعتين تشبيها لها بجلسة الفصل بين السجدتين وفيها مع الفصل راحة للمصلي لاستقباله الركعتين الآخرتين بنشاط وقوة بخلاف ماإذا والى بين الركعات ولهذا كان الافضل في النفل مثنى مثنى وإن تطوع باربع جلس في وسطهن
 فصل في الصلاة على النبي وآله
 # وجعلت كلمات التحيات في آخر الصلاة بمنزلة خطبة الحاجة امامها فإن المصلي إذا فرغ من صلاته جلس جلسة الراغب الراهب يستعطى من ربه ما لا غنى به عنه فشرع له امام استعطائه كلمات التحيات مقدمة بين يدي سؤاله ثم يتبعها بالصلاة على من نالت امته هذه النعمة على


يده وسعادته فكأن المصلي توسل إلى الله سبحانه بعبودتيه ثم بالثناء عليه والشهادة له بالوحدانية ولرسوله بالرسالة ثم الصلاة على رسوله ثم قيل له تخير من الدعاء أحبه إليك فذاك الحق الذي عليك وهذا الحق الذي لك # وشرعت الصلاة على آله مع الصلاة عليه تكميلا لقرة عينه بإكرام آله والصلاة عليهم وان يصلي عليه وعلى آله كما صلي على ابيه إبراهيم وآله والانبياء كلهم بعد إبراهيم من آله ولذلك كان المطلوب لرسول الله صلاة مثل الصلاة على إبراهيم وعلى جميع الانبياء بعده وآله المؤمنين فلهذا كانت هذه الصلاة أكمل ما يصلي على رسول الله بها وافضل # فإذا اتى بها المصلي امر ان يستعيذ بالله من مجامع الشر كله فإن الشر إما عذاب الآخرة وإما سببه فليس الشر إلا العذاب وأسبابه # والعذاب نوعان عذاب في البرزخ وعذاب في الآخرة واسبابه الفتنة وهي نوعان كبرى وصغرى # فتنة الدجال وفتنة الممات والصغرى فتنة الحياة التي يمكن تداركها بالتوبة بخلاف فتنة الممات وفتنة الدجال فإن المفتون فيهما لا يتدارك # شرع له من الدعاء ما يختاره من مصالح دنياه وآخرته والدعاء في هذا المحل قبل السلام افضل من الدعاء بعد السلام وانفع للداعي وهكذا كانت عامة ادعية النبي كلها كانت في الصلاة من اولها إلى آخرها فكان يدعو في الاستفتاح انواعا من الدعاء وفي الركوع وبعد رفع رأسه منه وفي السجود وبين السجدتين وفي التشهد قبل التسليم وعلم

الصديق دعاء يدعوا به في صلاته وعلم الحسن بن علي دعاء يدعو به في قنوت الوتر وكان إذا دعا لقوم أو على قوم جعله في الصلاة بعد الركوع ومن ذلك ان المصلي قبل سلامه في محل المناجاة والقربة بين يدي ربه فسؤاله في هذا الحال اقرب إلى الإجابة من سؤاله بعد انصرافه من بين يديه # وقد سئل النبي اي الدعاء اسمع فقال جوف الليل وادبار الصلوات المكتوبة الترمذي رقم 3494 ودبر الصلاة جزؤها الاخير كدبر الحيوان ودبر الحائط وقد يراد بدبرها ما بعد انقضائها بقرينة تدل عليه كقوله تسبحون الله وتحمدونه وتكبرونه دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين البخاري رقم 843 مسلم رقم 595 فهنا دبرها بعد الفراغ منها وهذا نظير انقضاء الأجل فإنه يراد به ولما يفرغ ويراد به فراغها وانتهاؤها
 فصل في ختام الصلاة بالتسليم
 # ثم ختمت بالتسليم وجعل تحليلا لها يخرج به المصلي منها كما يخرج بتحليل الحج منه وجعل هذا التحليل دعاء الأمام لمن وراءه بالسلامة التي هي اصل الخير واساسه فشرع لمن وراءه ان يتحلل بمثل ما تحلل به الامام وفي ذلك دعاء له وللمصلين معه بالسلام ثم شرع ذلك لكل مصل وإن كان منفردا فلا احسن من هذا التحليل للصلاة وكما أنه لا احسن من كون التكبير تحريما لها فتحريمها تكبير الرب تعالى والجامع لإثبات كل كمال له وتنزيه عن كل نقص وعيب وإفراده وتخصيصه بذلك وتعظيمه وإجلاله


فالتكبير يتضمن تفاصيل افعال الصلاة واقوالها وهيآتها فالصلاة من اولها إلى آخرها تفصيل لمضمون الله اكبر واي تحريم احسن من هذا التحريم المتضمن للإخلاص والتوحيد وهذا التحليل المتضمن الاحسان إلى اخوانه المؤمنين فافتتحت بالاخلاص وختمت بالاحسان
 فصل في الرد على ادلة المخففين
 # قال المكملون للصلاة فالصلاة وضعت على هذا النحو وهذا الترتيب لا يمكن ان يحصل ما ذكرناه من مقاصدها التي هي جزء يسير من قدرها وحقيقتها إلا مع الاكمال والإتمام والتمهل الذي كان رسول الله يفعله ومحال حصول ما ذكرناه مع النقر والتخفيف الذي يرجع إلى شهوة الامام والمأمومين ومن اراد ان يصلي هذه الصلاة الخاصة فلا بد له من مزيد تطويل واما الصلاة الحرجية فلا تتوقف على ذلك # استدلالكم باحاديث الامر بالايجاز فقد بينا ان الإيجاز هو الذي كان يفعله وعليه دوام حتى قبضة الله إليه فلا يجوز غير هذا البتة # واما قراءته في الفجر بالمعوذتين فهذا إنما كان في السفر كما هو مصرح به في الحديث والمسافر قد أبيح له أو أوجب عليه قصر الصلاة لمشقة السفر فأبيح له تخفيف أركانها فهلا عملتم بقراءته في الحضر بمئة آية في الفجر # ظإما قراءته صلاة الله عليه وسلامه بسورة التكوير في الفجر فإن كان في السفر فلا حجة لكم فيه وإن كان في الحضر فالذي يحكى عنه ذلك


روى عنه أنه كان يقرأ فيها بالستين إلى المئة وب 50 سورة ( ^ ق ) ونحوها فإنه كان يدخل في الصلاة وهو يريد إطالتها فيخففها لعارض من بكاء صبي وغيره # وأما حديث تسبيحه في الركوع والسجود ثلاثا فلا يثبت والاحاديث الصحيحة بخلافه وهذا السعدي مجهول لا تعرف عينه ولا حاله وقد قال انس إن عمر بن عبدالعزيز كان اشبه الناس صلاة برسول الله وكان مقدار ركوعه وسجوده عشر تسبيحات وانس اعلم بذلك من السعدي عن ابيه او عمه لو ثبت فأين علم من صلى مع النبي عشر سنين كوامل إلى علم من لم يصل معه إلا بتلك الصلاة الواحدة او صلوات يسيرة فإن عم هذا السعدي أو اباه ليس من مشاهير الصحابة المداومين الملازمة لرسول الله كملازمه انس والبراء بن عازب وابي سعيد الخدري وعبدالله بن عمر وزيد بن ثابت وغيرهم ممن ذكر صفة صلاته وقدرها وكيف يقوم بعد الركوع حتى يقولوا قد نسي ويسبح فيه ثلاث تسبيحات فيجعل القيام منه بقدرة اضعافا مضاعفة وكذلك جلوسه بين السجدتين حتى يقولوا قد اوهم ولا ريب ان ركوعه وسجوده كان نحوا من قيامه بعد الركوع وجلوسه بين السجدتين حتى تكرهوا إطالتها ويغلو من يغلو منكم في بطل الصلاة بإطالتها وقد شهد البراء بن عازب ان ركوعه وسجوده كان نحوا من قيامه ومحال ان يكون مقدار ذلك ثلاث تسبيحات ولعله خفف مرة لعارض فشهده عم السعدي او ابوه فاخبر به # وقد حكم النبي أن طول صلاة الرجل من فقهه وهذا الحكم اولى من الحكم له بقلة الفقه فحكم رسول الله هو الحكم الحق وما خالفه فهو الحكم الباطل الجائز

# فروى مسلم في صحيحه رقم 869 من حديث عمار بن ياسر قال قال رسول الله إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة عن فقهه فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة والمئنة العلامة # وعند سراق الصلاة ان العجلة فيها من علامات الفقه فكلما سرق ركوعها وسجودها واركانها كان ذلك علامة فضيلته وفقهه # وفي صحيح بن حبان رقم 1129 وسنن النسائي رقم 1414 عن عبدالله ابن ابي اوفى قال كان رسول الله يكثر الذكر ويقل اللغو ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة ولا يأنف المشي مع الارملة والمسكين فيقضى له الحاجة # فهذا فعله وذاك قوله في مثل صلاة الجمعة التي يجتمع لها الناس وكان يقرأ فيها سورة الجمعة والمنافقين كاملتين مسلم رقم 877 ولم يقتصر على الثلاث الآيات من آخرهما في جمعة واحدة أصلا فعطل كثيرا من الناس سنته فاقتصر على آخرهما ولم يقرأ بهما كاملتين اضلا # وكذلك كان يقرأ في فجر يوم الجمعة 32 سورة ( الم تنزيل ) السجدة و 76 سورة ( ^ هل اتى على الانسان ) كاملتين في الركعتين مع قراءته المترسلة على مهله وتأن البخاري رقم 891 مسلم رقم 880 فعطل كثير من الائمة ذلك واقتصروا على هذه وهذه وعلى إحدى السورتين في الركعتين ومن يقرأ بهما كاملتين فكثير منهم يقرأ بهما بسرعة وهذا مكروه للإمام # وكل هذا فرار من هديه فإن جاءهم حديث صحيح خالف ما الفوه واعتادوه قالوا هذا منسوخ او خلاف الاجماع والعيار على ذلك عندهم مخالفة اقوالهم

# ولو كانت احاديث التطويل منسوخة لكان اصحاب رسول الله اعلم بذلك ولما احتجوا بها علىمن لم يعمل بها ولاعمل بها اعلم الامة به وهم الخلفاء الراشدون # فهذا صديق الامة وشيخ الاسلام صلى الصبح فقرأ البقرة من اولها إلى آخرها وخلفه الكبير والصغير وذو الحاجة فقالوا له يا خليفة رسول الله كادت الشمس تطلع فقال لو طلعت الشمس لم تجدنا غافلين الموطأ1\82 # ومضى على منهاجه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وكان يقرأ في الفجر بالنحل ويوسف وبهود ويونس وبني اسرائيل سورة الإسراء ونحوها من السور الموطأ 1\28 # وقد تقدم حديث عبدالله بن عمر كان رسول الله يأمر بالتخفيف ويؤمنا بالصافات فالذي فعله هو الذي أمر به # وقد تقدم حكاية الذكر والدعاء الذي كان يقوله في ركن الإعتدال من الركوع وأنه كان يطيله حتى يقول من خلفه قد أوهم وتقدم حديث أبي سعيد في دخوله في صلاة الظهر فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ويأتي أهله فيتوضأ ثم يأتي المسجد فيدركه في الركعة الأولى فيالله العجب للذي حرم الإقتداء به في ذلك أو جعله مكروها # ونحن نقول كلا والذي بعثه بالحق إن الاقتداء به في ذلك مرضاة الله ورسوله وإن تركها من تركها # وأما حديث سعيد بن عبدالرحمن ابن أبي العمياء أبو داود رقم 4904 ودخول سهيل ابن أبي أمامة على أنس بن مالك فإذا هو

يصلي صلاة خفيفة كأنها صلاة مسافر فقال إنها لصلاة رسول الله فهذا مما تفرد به ابن أبي العمياء وهو شبه المجهول والأحاديث الصحيحة عن انس كلها تخالفه كيف يقول أنس هذا وهو القائل إن أشبه من رأى صلاة برسول الله عمر بن عبدالعزيز وكان يسبح عشرا عشرا وهو الذي كان يرفع رأسه من الركوع حتى يقال قد نسي وكذلك ما بين السجدتين ويقول ما آلو أن اصلي لكم صلاة رسول الله وهو الذي يبكي على إضاعتهم الصلاة ويكفي في رد حديث ابن أبي العمياء ما تقدم من الأحاديث الصحيحة الصريحة التي لا مطعن في سندها ولا شبهة في دلالتها فلو صح حديث ابن ابي العمياء وهو بعيد عن الصحة لوجب حمله على ان تلك صلاة رسول الله للسنة الراتبة كسنة الفجر والمغرب والعشاء وتحية المسجد ونحوها لا أن تلك صلاته التي كان يصليها بأصحابه دائما وهذا مما يقطع ببطلانه وترده سائر الأحاديث الصحيحة الصريحة ولا ريب أن رسول الله كان يخفف سنة الفجر حتى تقول عائشة أم المؤمنين هل قرأ فيها بأم القرآن البخاري رقم 1165 مسلم رقم 724 وكان يخفف الصلاة في السفر حتى كان ربما قرأ في الفجر بالمعوذتين مسند أحمد 4/153-150 أبو داود رقم 1462 وكان يخفف إذا سمع بكاء الصبي البخاري رقم 708 مسلم رقم 469 # فالسنة التخفيف حيث خفف والتطويل حيث أطال والتوسط غالبا فالذي انكره انس هو التشديد الذي لا يخفف صاحبه على نفسه مع حاجته إلى التخفيف ولا ريب أن هذا خلاف سنته وهديه # وأما حديث معاذ وقوله أفتان أنت يا معاذ فلم يتعلق السراق منه إلا بهذه الكلمة ولم يتأملوا اول الحديث وآخره فاسمع قصة معاذ

فعن جابر بن عبداله قال اقبل رجل بناضحين وقد جنح الليل فوافق معاذ يصلي فترك ناضحيه واقبل إلى معاذ فقرأ سورة البقرة أو النساء فانطلق الرجل وبلغه ان معاذا نال منه فأتى رسول الله يشكوا إليه معاذا فقال النبي افتان انت او قال افاتن انت ثلاث مرات فلولا صليت ب 87 سورة ( ^ سبح اسم ربك الاعلى ) 91 سورة ( ^ والشمس وضحها ) ( ^ والليل إذا يغشى ) فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف لاوذو الحاجة رواه البخاري ومسلم ولفظه للبخاري # وفي مسند الإمام أحمد من حديث أنس بن مالك قال كان معاذ بن جبل يؤم قومه فدخل حرام وهو يريد أن يسقي نخلة فدخل المسجد مع القوم افلما رأى معاذا طول تجوز في صلاته ولحق بنخلة يسقيه فلما قضى معاذ الصلاة قيل له ذلك فقال إنه لمنافق أيعجل عن الصلاة من أجل سقي نخلة قال فجاء حرام النبي ومعاذ عنده فقال يا بنى الله إني أردت أن أسقي نخلا لي فدخلت المسجد لأصلي مع القوم فلما طول تجوزت في صلاتي ولحقت بنخلي أسقيه فزعم أني منافق النبي على معاذ فقال أفتان أنت لا تطول بهم اقرأ ( ^ سبح اسم ربك الأعلى ) ( ^ والشمس وضحها ) ونحوها # وعن معاذ بن رفاعة الانصاري عن سليم من بني سلمة انه اتى رسول الله فقال يا رسول الله إن معاذ بن جبل يأتينا بعدما ننام ونكون في اعمالنا بالنهار فينادي بالصلاة فنخرج إليه فيطول علينا فقال

رسول الله يا معاذ بن جبل لا تكن فتانا إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك ثم قال يا سليم ما معك من القرآن قال إني أسأل الله الجنة أو قال أسأل الجنة واعوذ به من النار والله ما احسن دندنتك ولا دندنة معاذ فقال رسول الله وهل تصير دندنتي ودندنة معاذ إلا أن نسأل الله الجنة ونعوذ به من النار قال سليم سترون غدا إذا التقى القوم إن شاء الله قال والناس يتجهزون إلى احد فخرج فكان في الشهداء رحمه الله رواه الامام2 أحمد المسند 5/74 # فإن قال فقد روى الامام أحمد المسند 5/355 من حديث بريدة أن معاذ بن جبل بن جبل صلى بأصحابه صلاة العشاء فقرأ فهيا 54 سورة ( ^ اقتربت الساعة ) فقام رجل قبل أن يفرغ فصلى وذهب فقال له معاذ قولا شديدا فأتى الرجل النبي فاعتذر إليه فقال إني كنت اعمل في نخلي وخفت على الماء فقال رسول الله صل ب 91 سورة ( ^ والشمس وضحها ) ونحوها من السور # فقد أجيب عن هذا بأن قصة معاذ تكررت وهذا جواب في غاية البعد عن الصواب فإن معاذا كان أفقه في دين الله من ان ينهاه رسول الله ثم يعود له وأجود من هذا الجواب ان يكون قرأ في الركعة الاولى ب 2 سورة ( ^ البقرة ) وفي الركعة الثانية 54 سورة ( ^ اقتربت الساعة ) فسمعه من صلى معه من الركعة الاولى فقال صلى ب 2 سورة ( ^ البقرة ) وبعضهم سمع قراءته في الثانية فقال صلى ب 54 سورة ( ^ اقتربت الساعة ) # والذي في الصحيحن أنه قرأ سورة البقرة وشك بعض الرواة فقال البقرة والنساء وقصة قراءته ب 54 سورة ( ^ اقتربت ) لم تذكر في الصحيح

والذي في الصحيح أولى بالصحة منها وقد حفظ الحديث جابر فقال كان معاذ يصلي مع النبي العشاء ثم اتى قومه فأمهم فافتتح سورة البقرة وذكر القصة # فهذا جابر اخبر أنه فعل ذلك مرة وأنه قرأ بالبقرة ولم يشك وهذا الحديث متفق على صحته أخرجاه في الصحيحن البخاري رقم 705 مسلم رقم 465 والله أعلم
 فصل في التعمق والتنطع والتشديد المنهي عنه
 # وقد ظهر بهذا أن التعمق والتنطع والتشديد الذي نهى عنه رسول الله هو المخالف لهديه وهدي أصحابه وما كانوا عليه وان موافقته فيما فعله هو وخلفاؤه من بعده هو محض المتابعة وإن اباها وجهلها من جهلها فالتعمق والتنطع مخالفة ما جاء به وتجاوزه والغلو فيه ومقابلة إضاعته والتفريط فيه والتقصير عنه وهما خطأ وضلالة وانحراف عن الصراط المستقيم والمنهج القويم ودين الله تعالى بين الغالي فيه والجافي عنه # وقد قال علي ابن ابي طالب كرم الله وجهه خير الناس النمط الاوسط الذي يرجع إليهم الغالي ويلحق بهم التالي ذكره ابن المبارك عن محمد بن طلحة عن علي # وقال ابن عائشة ما امر الله عباده بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان فإما إلى غلة وإما إلى تقصير


# وقال بعض السلف دين الله بين الغالي فيه والجافي عنه # وقد مدح تعالى اهل التوسط بين الطرفين المنحرفين في غير موضع من كتابه فقال تعالى ( ^ والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقترفوا وكان بين ذلك قواما ) 25 سورة الفرقان / الآية 67 وقال تعالى ( ^ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ) 17 سورة الإسراء / الآية 29 وقال ( ^ وءات ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا ) 17 سورة الإسراء / الآية 26 فمنع ذي القربى والمسكين وابن السبيل حقهم انحراف في جانب الامساك والتبذير انحراف في جانب البذل ورضاء الله فيما بينهما ولهذا كانت هذه الامة اوسط الامم وقبلتها اوسط القبل بين القبلتين المنحرفتين والوسط دائما محمي الاطراف اما الاطراف فالخلل إليها أسرع كما قال الشاعر # ( كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت % بها الحوادث حتى اصبحت طرفا ) # فقد اتفق شرع الرب تعالى وقدره على أن خيار الامور اوساطها # وأما قولهم إن محبة الصحابة لرسول الله ولصوته وقراءته يحملهم على احتمال إطالته فلا يجدون بها مشقة فلعمر الله إن الامر كما ذكروا بل حبهم له يحملهم على بذل نفوسهم واموالهم بين يديه وعلى وقاية نفسه الكريمة بنفوسهم فكانوا يتقدمون إلى الموت بين يديه تقدم المحب إلى رضاء محبوبه ولعمر الله هذا شأن اتباعه من بعده إلى يوم القيامة لا تأخذهم في متابعة سنته لومة لائم ولا يثنيهم عنها عذل عاذل فهم يحتملون في متابعته والاهتداء بهديه لوم اللائمين وطعن الطاعنين ومعاداة الجاهلين الذي رضوا من سنته بآراء الرجال بدلا وتمسكوا بها فلا يبغون عنها حولا وعرضوا عليها نصوص السنة والقرآن عرض الجيوش على

السلطان فما وافقها قبوله وما خالفها تلطفوا في رده بأنواع التأويل فمرة يقولون هذا متروك الظاهر ومرة يقولون لا يعلم له قائل ومرة يقولون هو منسوخ ومرة يقولون متبوعنا اعلم به منا وما خالفه إلا وقد صح عنده ما يقتضي مخالفته فأتباعه في مجاهده هذه الفرق دائبون وعلى متابعة سنته دائرون فإن كان قد غاب عن اعينهم شخصه الكريم فقد شاهدوا ببصائرهم ما كان عليه الهدي المستقيم
 فصل في صفة صلاة النبي # فهاك سياق صلاته من حين استقباله القبلة وقوله الله اكبر إلى حين سلامه كأنك تشاهده عيانا ثم اختر لنفسك بعد ما شئت # قيامه وقراءته # كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة واستقبل القبلة ووقف في مصلاة رفع يديه إلى فروع أذنيه مسلم رقم 391 واستقبل بأصابعه القبلة ونشرها وقال الله اكبر ولم يكن يقول قبل ذلك نويت أن أصلي كذا وكذا مستقبل القبلة اربع ركعات فريضة الوقت اداء الله تعالى اماما ولا كلمة واحدة من ذلك في مجموع صلاته من اولها إلى آخرها فقد نقل عنه اصحابه حركاته وسكناته وهيئاته حتى اضطراب لحيته في الصلاة حتى إنه حمل بنت ابنه مرة في الصلاة فنقلوا ولم يهملوه فكيف يتفق ملؤهم من اولهم إلى آخرهم على ترك نقل هذا المهم الذي هو


شعار الدخول في الصلاة ولعمر الله لو ثبت عنه من هذا كلمة واحدة لكنا اول من اقتدى به فيها وبادر إليها # ثم كان يمسك شماله بيمينه فيضعها عليها فوق المفصل ثم يضعها على صدره ثم يقول سبحانك اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد البخاري رقم 744 مسلم رقم 598 # وكان يقول أحيانا وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين ( ^ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك امرت وأنا أول المسلمين ) 6 سورة الانعام / الآيتان 162 و 163 اللهم انت الملك لا إله إلا انت وانا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا لا يغفر الذنوب إلا انت واهدني لأحسن الاخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك إنا بك وإليك تباركت وتعاليت استغفرك واتوب إليك مسلم رقم 771 ولكن هذا إنما حفظ عنه في صلاة الليل # كان يقول الله اكبر كبيرا الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة واصيلا

# وربما كان يقول الله اكبر الله اكبر لا إله الا انت لا إله إلا انت سبحان الله وبحمده سبحان الله وبحمده # ثم يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم # وربما قال اعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخة ونفثه وهمزه ابو داود رقم 764 # وربما قال اللهم إن اعوذ بك من الشيطان الرجيم وهمزه ونفخه ونفثه ابو داود رقم 764 # ثم يقرأ فاتحة الكتاب البخاري رقم 743 مسلم رقم 394 فإن كانت الصلاة جهرية اسمعهم القراءة ولم يسمعهم ( ^ بسم الله الرحمن الرحيم ) فربه اعلم هل كان يقرؤها ام لا وكان يقطع قراءته آية آية ثم يقف على ( ^ رب العالمين ) ثم يبتديء ( ^ الرحمن الرحيم ) ويقف ثم يبتديء ( ^ ملك يوم الدين ) على ترسل وتمهل وترتيل يمد ( ^ الرحمن ) ويمد ( ^ الرحيم ) وكان يقرأ ( ^ ملك يوم الدين بالالف يعني لا يقرأ ( ^ ملك ) وهي قراءة # وإذا ختم السورة قال آمين يجهر بها ويمد بها صوته الترمذي رقم 248 وابو داود رقم 932 ويجهر بها من خلفه حتى يرتج المسجد سنن الشافعي 1\67 # واختلفت الرواية عنه هل كان يسكت بين الفاتحة وقراءة السورة ام كانت سكتة بعد القراءة كلها # فقال يونس عن الحسن عن سمرة حفظت سكتتين سكتة إذا كبر

الإمام حتى يقرأ وسكتة إذا فرغ من فاتحة الكتاب وسكتة عند الركوع وصدقه أبي بن كعب على ذلك ابو داود رقم 777 # يونس اشعث الحمراني عن الحسن فقال سكتة إذا استفتح وسكتة إذا فرغ من القراءة كلها ابو داود رقم 778 # وخالفهما قتادة فقال عن الحسن إن سمرة بن جندب وعمران بن الحصين تذاكرا فحدث سمرة أنه حفظ عن رسول الله سكتتين سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة ( ^ غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فقط فحفظ ذلك سمرة وأنكر عليه عمران بن حصين فكتبا في ذلك إلى أبي كعب فكان في كتابه أن سمرة قد حفظ ابو داود رقم 779 # وقال قتادة ايضا عن الحسن عن سمرة سكتتان حفظتها عن رسول الله إذا دخل في الصلاة وإذا فرغ من القراءة ثم قال بعد وإذا قال ( ^ غير المغضوب عليهم ولاالضالين ) ابو داود رقم 780 # فقد اتفقت الاحاديث أنهما سكتتان فقط إحداهما سكتة الافتتاح والثانية ومختلف فيها فالذي قال إنها بعد قراءة الفاتحة هو قتادة وقد اختلف عليه سمرة فمرة قال ذلك ومرة قال بعد الفراغ من القراءة ولم يختلف على يونس واشعث أنها بعد فراغه من القراءة كلها وهذا ارجح الروايتين والله اعلم # وبالجملة فلم ينقل عنه بإسناد صحيح ولا ضعيف أنه كان يسكت بعد قراءة الفاتحة حتى يقرأها من خلفه وليس في سكوته في هذا

المحل إلا هذا الحديث المختلف فيه كما رأيت ولو كان يسكت هنا سكتة طويلة يدرك فيها قراءة الفاتحة لما اختفى ذلك على الصحابة ولكان معرفتهم به ونقلهم اهم من سكتة الافتتاح # يقرأ بعد ذلك سورة طويلة تارة وقصيرة تارة ومتوسطة تارة كما تقدم ذكر الأحاديث به لم يكن يبتديء من وسط السورة ولا من آخرها وإنما كان يقرأ من أولها فتارة يكملها وهو اغلب احواله وتارة يقتصر على بعضها ويكملها في الركعة الثانية ولم ينقل احد عنه انه قرأ بآية من سورة أو بآخرها إلا في سنة الفجر فإنه كان يقرأ فيها بهاتين الآيتين ( ^ قولوا ءامنا بالله وما انزل إلينا ) 2 سورة البقرة / الآية 136 ( ^ قل يأهل الكتاب الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) 3 سورة آل عمران / الآية 64 الآية وكان يقرأ بالسورة في الركعة وتارة يعيدها في الركعة الثانية وتارة يقرأ سورتين في الركعة # أما الاول فكقول عائشة إنه قرأ في المغرب بالاعراف فرقها في الركعتين النسائي رقم 991 # وأما الثاني فقراءته في الصبح 99 سورة ( ^ إذا زلزلت ) في الركعتين كلتيهما ابو داود رقم 816 والحديثان في السنن # الثالث فكقول ابن مسعود ولقد عرفت النظائر التي كان رسول الله يقرن بينهما فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين في ركعة وهذا في الصحيحين رقم 775 مسلم رقم 722

# وكان يمد قراءة الفجر ويطيلها اكثر من سائر الصلوات واقصر ما حفظ عنه انه كان يقرأ بها فيها على الحضر سورة ( ^ ق ) ونحوها مسلم رقم 458 # وكان يجهر بالقراءة في الفجر والاوليين من المغرب والعشاء ويسر فيما سوى ذلك وربما كان يسمعهم الآية في قراءة السر احيانا # وكان يقرأ في فجر يوم الجمعة سورة ( ^ الم تنزيل ) السجدة و ( ^ هل أتى ) كاملتين ولم يقتصر على إحداهما ولا على بعض هذه وبعض هذه فقط # وكان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة ( ^ الجمعة ) و ( ^ المنافقون ) كاملتين ولم يقتصر على اواخرهما وربما كان يقرأ بسورة ( ^ الأعلى ) و ( ^ الغاشية ) # وكان يقرأ في العيدين بسورة ( ^ ق ) و ( اقتربت الساعة ) ولم يقتصر على اواخرهما # وكان يقرأ في صلاة السر سورة فيها السجدة احيانا فيسجد للسجدة ويسجد معه من خلفه # وكان يقرأ في الظهر قدر ( ^ الم تنزيل ) السجدة مسلم 452 ونحو ثلاثين آية مسلم رقم 452 ومرة كان يقرأ فيها ب ( ^ سبح اسم ربك الأعلى ) مسلم رقم 460 و ( ^ والليل إذا يغشى ) مسلم رقم 459 و ( ^ والسماء ذات البروج ) و ( ^ والسماء والطارق ) ونحوها من السور أبو داود رقم 805 ومرة ب ( ^ لقمان ) و ( ^ الذاريان ) النسائي رقم 971 وكان يقوم في الركعة الاولى منها حتى لا يسمع وقع قدم مسند احمد 4/356

# وكذلك كان يطيل الركعة الأولى من كل صلاة على الثانية # قرائتة في العصر في الركعتين الاوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية مسلم رقم 452 # وكان يقرأ في المغرب بالاعراف تارة النسائي رقم 991 وبالطور تارة البخاري رقم 765 ومسلم رقم 464 والمرسلات تارة البخاري رقم 763 مسلم رقم 463 وبالدخان تارة النسائي رقم 988 وروي عنه أنه قرأ فيها ب ( ^ قل يا ايها الكافرون ) و ( ^ قل هو الله احد ) تفرد به ابن ماجه رقم 833 ولعل أحد رواته وهم من قراءته بهما في سنة المغرب فكان يقرأ بهما في سنة المغرب فقال كان يقرأ بهما في المغرب او سقطت كلمة سنة من النسخة والله اعلم # وكان يقرأ في عشاء الآخرة ب ( ^ والتين والزيتون ) البخاري رقم 767 مسلم رقم 464 وسورة ( ^ إذا السماء انشقت ) ويسجد فيها جميع من خلفه البخاري رقم 766 مسلم رقم 578 وب ( الشمس وضحاها ) ونحو ذلك من السور مسند أحمد 5/355 الترمذي رقم 309 النسائي رقم 999 وكان إذا فرغ من القراءة سكت هنيهة ليرجع إليه نفسه
 فصل في صفة الركوع
 # ثم كان يرفع يديه إلى ان يحاذي بهما فروع اذنيه كما رفعهما في الاستفتاح مسلم رقم 391 ابو داود رقم 745 صح عنه ذلك


# كما صح التكبير للركوع بل الذين رووا عنه رفع اليدين ههنا اكثر من الذين رووا عنه التكبير # ثم يقول الله اكبر ويخر راكعا ويضع يديه على ركبتيه فيمكنهما من ركبتيه وفرج بين اصابعه وجافى مرفقيه عن جنبيه ثم اعتدل وجعل رأسه حيال ظهره فلم يرفع رأسه ولم يصوبه وهصر ظهره اي مدة ولم يجمعه ثم قال سبحان ربي العظيم ابو داود رقم 886 # وروى عنه انه كان يقول سبحان ربي العظيم وبحمده قال ابو داود رقم 870 واخاف ان لا تكون هذه الزيادة محفوظة # وربما مكث قدر ما يقول القائل عشر مرات وربما مكث فوق ذلك ودون وربما قال سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي البخاري رقم 794 مسلم رقم 484 وربما قال سبوح قدوس رب الملائكة والروح مسلم رقم 487 وربما قال اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك اسلمت وعليك توكلت انت ربي خشع قلبي وسمعي وبصري ودمي ولحمي وعظمي وعصبي لله رب العالمين مسلم رقم 771 النسائي رقم 1051 وربما كان يقول سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة النسائي رقم 1049 # وكان ركوعه مناسبا لقيامه في التطويل والتخفيف وهذا بين في سائر الأحاديث


 فصل في صفة الاعتدال من الركوع
 # ثم كان يرفع رأسه قائلا سمع الله لمن حمده مسلم رقم 476 ويرفع يديه كما يرفعهما عند الركوع البخاري رقم 735 فإذا اعتدل قائما قال ربنا لك الحمد وربما قال اللهم ربنا ولك الحمد ملء السموات وملءالارض وملء ما شئت منم شيء بعد اهل الثناء والمجد احق ما قال العبد وكلنا لك عبد اللهم لا مانع لما اعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد مسلم رقم 477 # وربما زاد على ذلك اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الوسخ مسلم رقم 476 # وكان يطيل هذا الركن ختى يقول القائل قد نسي # وكان يقول في صلاة الليل فيه لربي الحمد لربي الحمد ابو داود رقم 874
 فصل في صفة الهوى إلى السجود
 # ثم يكبر ويخر ساجدا ولا يرفع يديه وكان يضع ركبتيه قبل يديه هكذا قال عنه وائل بن حجر ابو داود رقم 838 الترمذي رقم 268 وانس بن مالك الدارقطني 1/345 الحاكم 1/226


# وقال عنه ابن عمر إنه كان يضع يديه قبل ركبتيه الحاكم 2/226 ابن خزيمة رقم 627 # واختلف على ابي هريرة ففي السنن ابو داود رقم 840 النسائي رقم 1090 1091 الترمذي رقم 269 عن النبي إذا سجد احدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه # وروى عنه المقبري عن النبي إذا سجد احدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه البيهقي 2/100 # فأبو هريرة قد تعارضت الرواية عنه وحديث وائل وابن عمر قد تعارضا فرجحت طائفة حديث ابن عمر ورجحت طائفة حديث وائل بن حجر وسلكت طائفة مسلك النسخ وقالت كان الامر الاول وضع اليدين قبل الركبتين ثم نسخ بوضع الركبتين اولا وهذه طريقة ابن خزيمة في ذكر الدلائل على الامر بوضع اليدين عند السجود منسوخ فإن وضع الركبتين قبل اليدين ناسخ ثم روى من طريق إسماعيل بن إبراهيم عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن ابيه عن سلمة عن مصعب بن سعد قال كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بوضع الركبتين قبل اليدين ابن خزيمة رقم 628 # وهذا لو ثبت لكان فيه الشفاء لكن يحيى بن سلمة بم كهيل قال البخاري عنده مناكير وقال ابن معين ليس بشيء لا يكتب حديثه وقال النسائي متروك الحديث وهذه القصة وهم فيها يحيى او غيره وإنما المعروف عن مصعب بن سعد عن ابيه نسخ التطبيق في الركوع بوضع

اليدين على الركبتين فلم يحفظ هذا الراوي وقال المنسوخ وضع اليدين قبل الركبتين # قال السابقون باليدين # قد صح حديث ابن عمر فإنه من رواية عبيدالله عن نافع عنه قال ابن ابي داود وهو قول اهل الحديث # قالوا وهم اعلم بهذا من غيرهم فإنه نقل محض # قالوا وهذه سنة رواها اهل المدينة وهم اعلم بها من غيرهم # ابن ابي داود ولهم فيها إسنادان # أحدهما محمد بن عبدالله بن حسن عن ابي الزناد عن الاعرج عن ابي هريرة # الدراوردي عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر # قالوا وحديث وائل بن حجر له طريقان وهما معلومان في احدهما شريك تفرد به قال الدارقطني وليس بالقوي فيما يتفرد به والطريق الثاني من رواية عبدالجبار بن وائل عن ابيه ولم يسمع من ابيه # قال السابقون بالركبتين # حديث وائل بن حجر اثبت من حديث ابي هريرة وابن عمر # قال البخاري حديث ابي الزناد عن الاعرج عن ابي هريرة لا يتابع عليه فيه محمد بن عبدالله بن الحسن # قال ولا ادري سمع من ابي الزناد أم لا

# وقال الخطابي حديث وائل بن حجر اثبت منه # قال وزعم بعض العلماء انه منسوخ ولهذا لم يحسنه الترمذي وحكم بغرابته وحسن حديث وائل # قالوا وقد قال في حديث هريرة ابي لا يبرك كما يبرك البعير والبعير إذا برك بدأ بيديه قبل ركبتيه وهذا النهي لا يمانع قوله وليضع يديه قبل ركبتيه بل ينافيه ويدل على ان هذه الزيادة غير محفوظة ولعل لفظها انقلب على بعض الرواة # قالوا ويدل على ترجيح هذا امران آخران # احدها ما رواه ابو داود رقم 992 من حديث ابن عمر ان رسول الله نهى ان يعتمد الرجل على يديه في الصلاة وفي لفظ نهى ان يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة # ولا ريب انه إذا وضع يديه قبل ركبتيه اعتمد عليهما فيكون قد اوقع جزءا من الصلاة معتمدا على يديه بالارض وايضا فهذا الاعتماد بالسجود نظير الاعتماد في الرفع منه سواء فإذا نهى عن ذلك كان نظيره كذلك # ان المصلي في انحطاطه ينحط منه إلى الارض الاقرب إليها اولا ثم الذي من فوقه ثم الذي من فوقه حتى ينتهي إلى اعلى ما فيه وهو وجهه فإذا رفع رأسه من السجود ارتفع أعلى ما فيه اولا ثم الذي دونه حتى يكون آخر ما يرتفع منه ركبتاه والله اعلم


 فصل في صفة السجود
 # ثم كان يسجد على جبهته وانفه ويديه وركبتيه واطراف قدميه البخار رقم 812 مسلم رقم 490 ويستقبل بأصابع يديه ورجليه القبلة وكان يعتمد على اليتي كفيه ويرفع مرفقيه ويجافي عضديه عن جنبيه حتى يبدو بياض إبطيه ويرفع بطنه عن فخذيه وفخديه عن ساقيه ويعتدل في سجوده ويمكن وجهه من الارض مباشرا به للمصلي غير ساجد على كور العمامة # قال ابو حميد الساعدي وعشرة من الصحابة يسمعون كلامه كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه فإذا اراد ان يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم قال الله اكبر فرفع ثم اعتدل فلم يصوب رأسه ولم يقنعه ووضع يديه على ركبتيه وقال سمع الله لمن حمده ثم رفع واعتدل حتى رجع كل عضو في موضعه معتدلا ثم هوى ساجدا وقال الله اكبر ثم جافى وفتح عضديه عن بطنه وفتح اصابع رجليه ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها واعتدل حتى يرجع كل عظم موضعه معتدلا ثم هوى ساجدا وقال الله اكبر ثم ثنى رجله وقعد عليها حتى يرجع كل عضو إلى موضعه ثم نهض فصنع في الركعة الثانية مثل ذلك حتى إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما صنع حين افتتح


الصلاة ثم صنع كذلك حتى إذا كانت الركعة التي تنقضي فيها الصلاة أخر رجله اليسرى وقعد على شقه متوركا ثم سلم البخاري رقم 827 و 828 ابو داود رقم 733 الترمذي رقم 304 # وكان يقول في سجوده سبحان ربي الاعلى ابو داود رقم 869 ابن ماجة رقم 887 الدارمي 1/299 وروي أنه كان يزيد عليها وبحمده أبو داود رقم 870 وربما قال اللهم إني لك سجدت وبك آمنت ولك اسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصورة وشق سمعه وبصورة تبارك الله احسن الخالقين مسلم رقم 771 # وكان يقول ايضا سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي البخاري رقم 817 مسلم رقم 484 # وكان يقول سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا انت مسلم رقم 485 # وكان يقول سبوح قدوس رب الملائكة والروح مسلم رقم 485 # وكان يقول اللهم اغفر لي ذنبي كله دقة وجلة واوله وآخره وعلانيته وسره مسلم رقم 484 # وكان يقول اللهم إني اعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك واعوذ بك منك لا احصي ثناء عليك انت كما على اثنيت نفسك مسلم رقم 486 # وكان يجعل سجوده مناسبا لقيامه ثم يرفع رأسه قائلا الله اكبر غير رافع يديه ثم يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى

ويضع يديه على فخذيه ثم يقول اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني وفي لفظ وعافني بدل واجبرني هذا حديث ابن عباس # وقال حذيفة كان يقول بين السجدتين رب اغفر لي والحديثان في السنن ابو داود رقم 850 الترمذي رقم 284 ابن ماجة رقم 898 # وكان يطيل هذه الجلسة حتى يقول القائل قد اوهم او قد نسي
 فصل في صفة القيام من السجود والتشهد
 # ثم يكبر ويسجد غير رافع يديه ويصنع في الثانية مثل ما صنع في الأولى ثم يرفع رأسه مكبرا وينهض على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه وفخذيه # وقال مالك بن الحويرث كان رسول الله إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا البخاري رقم 823 فهذه تسمى جلسة الاستراحة لا ريب أنه فعلها ولكن هل فعلها على أنها من سنن الصلاة وهيئاتها كالتجافي وغيره أو لحاجته إليه لما اسن واخذه اللحم وهذا الثاني أظهر لوجهين # ان فيه جمعا بينه ويبن حديث وائل بن حجر ابو داود رقم 838 وابي هريرة الترمذي رقم 288 أنه كان ينهض على صدور قدميه


# الثاني أن الصحابة الذين كانوا احرص الناس على مشاهدة افعاله وهيئات صلاته كانوا ينهضون على صدور اقدامهم فكان عبدالله بن مسعود يقوم على صدور قدميه في الصلاة ولايجلس رواه البيهقي السنن الكبرى 2/125 عنه ورواه عن ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وابي سعيد الخدري من رواية عطية العوفي عنهم وهو صحيح عن ابن مسعود # ولم يكن يرفع يديه في هذا القيام وكان إذا استتم قائما أخذ القراءة ولم يسكت وافتتح قراءته بالحمد لله رب العالمين فإذا جلس في التشهد الأول مفترشا كما يجلس بين السجدتين ويضع يده اليسرى على ركبته اليسرى واليمنى على فخذه اليمنى وأشار باصبعه السبابة ووضع إبهامه على اصبعه الوسطى كهيئة الحلقة وجعل بصرة إلى موضع إشارته وكان يرفع اصبعه السبابة ويحنيها قليلا يوحد بها ربه عز وجل # وذكر ابو داود من حديث ابن عباس عنه أنه قال هكذا الاخلاص يشير بأصبعه التي تلي الإبهام وهكذا الدعاء فرفع يديه مدا حذو منكبيه وهكذا الابتهال فرفع يديه مدا وقد روي موقوفا # ثم كان يقول التحيات لله والصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله البخاري رقم 831 مسلم رقم 402 وكان يعلمه أصحابه كما يعلمهم القرآن # ايضا يقول التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله مسلم رقم 403 هذا تشهد ابن عباس والاول تشهد ابن مسعود

وهو اكمل لأن تشهد ابن مسعود يتضمن جملا متغايرة وتشهد ابن عباس جملة واحدة وايضا فإنه في الصحيحين وفيه زيادة الواو وكان يعلمهم إياه كما يعلمهم القرآن # وروى ابن عمر عنه التحيات لله الصلوات الطيبات ابو داود رقم 971 # وفيه انواع اخر كلها جائزة # وكان يخفف هذه الجلسة حتى كأنه جالس على الرضف ابو داود رقم 995 وهي الحجارة المحماة # ثم يكبر وينهض فيصلي الثالثة والرابعة ويخففهما عن الاوليين وكان يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب وربما زاد عليها احيانا
 فصل في صفة القنوت
 # دعاء القنوت # وكان إذا قنت لقوم أو على قوم يجعل قنوته في الركعة الأخيرة بعد رفع رأسه من الركوع وكان اكثر ما يفعل ذلك في صلاة الصبح # وقال حميد عن انس قنت رسول الله شهرا بعد الركوع في صلاة يدعو على رعل وذكوان البخاري رقم 1003 ومسلم رقم 677


# وقال ابن سيرين قلت لانس قنت رسول الله في صلاة الصبح قال نعم بعد الركوع يسيرا # وقال ابن سيرين عن انس قنت رسول الله شهرا بعد الركوع في صلاة الفجر يدعو على عصبة متفق على هذه الاحاديث البخاري رقم 1001 مسلم رقم 677 # فهؤلاء اعلم الناس بأنس قد حكوا عنه ان قنوته كان بعد الركوع وحميد هو الذي روى عن انس انه سئل عن القنوت فقال كنا نقنت قبل الركوع وبعده ابن ماجه رقم 1183 والمراد بهذا القنوت طول القيام وقد اخبر ابو هريرة مثل ما اخبر به انس سواء انه قنت بعد الركوع لما قال سمع الله لمن حمده قال قبل ان يسجد اللهم نج عياش ابن ابي ربيعة والوليد بن الوليد وسلمة بن هشام والمستضعفين من المؤمنين متفق عليه البخاري رقم 4560 مسلم رقم 675 # وقال ابن عمر أنه سمع رسول الله إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول اللهم العن فلانا وفلانا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد البخاري رقم 4559 # فقد اتفقت الاحاديث انه قنت بعد الركوع وانه قنت لعارض ثم تركه # ثم قال انس القنوت في المغرب والفجر رواه البخاري رقم 1004 # وقال البراء كان رسول الله يقنت في صلاة الفجر والمغرب رواه مسلم رقم 678 # وقنت ابو هريرة في الركعة الأخيرة من الظهر والعشاء الآخرة وصلاة

الصبح بعدما يقول سمع الله لمن حمده يدعو للمؤمنين ويلعن الكفار وقال لأقربن بكم صلاة رسول الله ذكره البخاري رقم 797 # وقال أحمد وصلاة العصر مكان صلاة العشاء # وقال ابن عباس قنت رسول الله شهرا متتابعا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كل صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة يدعو على حي من بني سليم ويؤمن من خلفه ذكره أحمد المسند 1/301 وابو داود رقم 1443 # وقد اتفقت الاحاديث كما ترى على أنه في الركعة الاخيرة بعد الركوع وأنه عارض لا راتب # وفي صحيح مسلم رقم 677 عن انس قنت يدعو على إحياء من أحياء العرب ثم تركه # وعند الامام احمد 3/191 قنت شهرا ثم تركه # وقال ابو مالك الاشجعي قلت لأبي يا ابت إنك قد صليت خلف رسول الله وأبي بكر عمر وعثمان وعلي بالكوفة ههنا قريبا خمس سنين اكانوا يقنتون قال اي بني إنه محدث قال الترمذي رقم 402 هذا حديث صحيح # ورواه النسائي رقم 1080 ولفظه صليت خلف رسول الله فلم يقنت وصليت خلف ابي بكر فلم يقنت وصليت خلف عمر فلم يقنت وصليت خلف عثمان فلم يقنت وصليت خلف علي فلم يقنت ثم قال يا بني بدعة # فمن كره القنوت في الفجر احتج بهذه الاحاديث وبقول انس ثم تركه

قالوا فهو منسوخ ومن استحبه قبل الركوع فحجته الآثار عن الصحابة والتابعين بذلك # قال ابو داود الطيالسي حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن أبي رجاء عن ابي مغفل أنه قنت في الفجر الركوع # وقال مالك عن هشام بن عروة عن ابيه أنه كان يقنت في الفجر قبل الركوع # قال مالك عن هشام بن عروة عن ابيه انه كان يقنت قبل الركوع # اصبع بن الفرج والحارث بن مسكين وابن ابي العمر حدثنا عبدالرحمن بن القاسم قال سئل مالك عن القنوت في الصبح اي ذلك اعجبت إليك قال الذي ادركت الناس عليه وهوامر الناس القديم القنوت قبل الركوع قلت اي ذلك تأخذ في خاصة نفسك قال القنوت قبل الركوع قلت فالقنوت في الوتر قال ليس فيه قنوت
 فصل في القنوت بعدالركوع
 # ومن استحبه بعد الركوع فذهب إلى الاحاديث التي صرحت بأنه بعد الركوع وهي صحاح كلها # قال الأثرم قلت لأبي عبدالله يقول أحد في حديث أنس إن النبي قنت قبل الركوع غير عاصم الأحول قال ما عملت أحدا يقوله غيره خالف عاصما قلت هشام عن قتادة عن أنس ان النبي قنت


بعد الركوع والتميمي عن ابي مجلز عن انس ان النبي قنت بعد الركوع وايوب عن محمد قال سألت أنسا وحنظلة السدوسي عن انس اربعة وجوه قيل لأبي عبدالله وسائر الأحاديث أليس إنما هي بعد الركوع قال بلى كلها خفاف اين كانت وابو هريرة قلت لأبي عبدالله فلم ترخص إذا في القنوت قبل الركوع وإنما صحت الأحاديث بعد الركوع فقال القنوت في الفجر بعد الركوع وفي الوتر نختاره بعد الركوع ومن قنت قبل الركوع فلا بأس لفعل أصحاب رسول الله واختلافهم فيه فأما في الفجر فبعد الركوع والذي فعله رسول الله هو القنوت في النوازل فأما في الفجر فبعد الركوع والذي فعله رسول الله هو القنوت في النوازل ثم تركه ففعله سنة وتركه سنة # وعلى هذا دلت جميع الاحاديث وبه تتفق السنة # وقال عبدالله بن احمد سألت أبي عن القنوت في اي صلاة قال في الوتر بعد الركوع فإن قنت رجلي في الفجر اتباع ما روي عن النبي أنه قنت دعاء للمستضعفين فلا بأس فإن قنت رجل بالناس يدعو لهم ويستنصر الله تعالى فلا بأس # وقال إسحاق الحربي سمعت ابا ثور يقول لأبي عبدالله أحمد ابن حنبل ما تقول في القنوت في الفجر فقال أبو عبدالله إنما يكون القنوت في النوازل فقال له ابو ثور اي نوازل اكثر من هذه النوازل التي نحن فيها قال فإذا كان كذلك فالقنوت # وقال الأثرم سألت ابا عبدالله عن القنوت في الفجر فقال نعم في الأمر يحدث كما قنت النبي يدعو على قوم قلت له ويرفع صوته قال نعم ويؤمن من خلفه كذلك فعل النبي

# قال وسمعت ابا عبدالله يقول القنوت في الفجر بعد الركوع وسمعته قال لما سئل عن القنوت في الفجر فقال إذا نزل بالمسلمين امر قنت الإمام وامن من خلفه ثم قال مثل ما نزل بالناس من هذا الكافر يعني بابك الخرمي الخارجي # وقال عبدوس بن مالك العطار سألت ابا عبداله احمد ابن حنبل فقلت إني رجل غريب من اهل البصرة وإن قوما قد اختلفوا عندنا في اشياء واحب ان اعلم رأيك فيما اختلفوا فيه قال سل عما احببت قلت فإن بالبصرة قوما يقنتون كيف ترى في الصلاة خلف من يقنت فقال قد كان المسلمون يصلون خلف من يقنت وخلف من لا يقنت فإن زاد في القنوت حرفا أو دعا بمثل إنا نستعينك او عذابك الجد او نحفد فإن كنت في الصلاة فاقطعها
 فصل في الصلاة على النبي في التشهد الأخير والدعاء قبل السلام
 # وشرع لامته ان يصلوا عليه في التشهد الأخير فيقولوا اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد البخاري رقم 3370 مسلم رقم 406 # وأمرهم ان يتعوذوا بالله من عذاب النار وعذاب القبر ومن فتنة


المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال البخاري رقم 1377 مسلم رقم 588 # وعلم الصديق أن يدعو في صلاته اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم البخاري رقم 834 مسلم رقم 2705 # وكان من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما اسررت وما اعلنت وما اسرفت وما انت اعلم به مني انت القمدم وانت المؤخر لا إله لا أنت مسلم رقم 771
 فصل في التسليم
 # ثم كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله ابو داود رقم 996 الترمذي رقم 295 وروى ذلك خمسة عشر صحابيا # وكان إذ اسلم قال استغفر الله ثلاثا اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام مسلم رقم 591 لا إله الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما اعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد البخاري رقم 844 مسلم رقم 593 لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون مسلم رقم 594



 فصل في التسبيح بعد التسليم
 # وشرع لأمته التسبيح والتحميد عقيب كل صلاة أبو داود رقم 1523 # وروى عنه النسائي عمل اليوم والليلة رقم 100 من حديث ابي امامة أنه قال من قرأ آية الكرسي عقيب كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت
 فصل في رواتب الصلاة
 # وكان يصلي قبل الظهر اربعا وبعدها ركعتين دائما الترمذي رقم 424 ولما شغل عنهما يوما صلاهما بعد العصر الترمذي رقم 184 وندب إلى اربع بعدها فقال من حافظ على اربع ركعات قبل الظهر وأربع ركعات بعدها حرمه الله على النار قال الترمذي رقم حديث صحيح 428 # ولم ينقل عنه أنه كان يصلي قبل العصر حديث صحيح وفي السنن


أبو داود رقم 1269 النسائي رقم 874 و 875 الترمذي رقم 430 عنه انه قال رحم الله امرا صلى قبل العصر اربعا # وكان يصلي بعد المغرب ركعتين وبعد العشاء ركعتين وقبل الصبح ركعتين البخاري رقم 1180 مسلم رقم 729 فهذه اثنتا عشرة ركعة سننا راتبة والفرائض سبع عشرة ركعة # وكان يصلي من الليل عشر ركعات وربما صلى اثنتي عشرة ركعة ويوتر بواحدة البخاري رقم 1138 1139 مسلم رقم 738 فهذه اربعون ركعة ورده دائما الفرائض وسننها وقيام الليل والوتر ولم يكن من سننه الدعاء بعد الصبح والعصر وإنما كان من هديه الدعاء في

الصلاة وقبل السلام منها كما تقدم والله أعلم # تم الكتاب ولله الحمد   الصلاة و قبل السلام منها كما تقدم. و الله أعلم.  تم و لله الحمد 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اندكس سو بند اضافة

 الرابط